تنفس المصريون الصعداء عند اللحظات الاولى لميلاد برلمان الثورة ظنا بانه سيعبر بنا نهاية النفق 0 لم تمر لحظات والا تنازعت البرلمان قوتين وتحت لوائهما عشرات المجموعات التي تريد ان تنقض عليه0 فالمجلس العسكري الذي سلمنا له بحماية الشرعية وإدارة اول انتخابات شعبية حرية استبق لحظة الميلاد الرسمية للبرلمان باصدار قانونين يمثل كل منهما كارثة حقيقية0 فأصدر المجلس العسكري قانون الازهر الذي فصله شيخ الازهر على هواه بعد اعلان نتائج الانتخابات العامة0وقبل ان يحلف نواب الشعب القسم بساعات أتحفنا المجلس العسكري بقانون انتخابات الرئاسة دون ان يطلع عليه احداً ولم يعرفه الخاصة الا بعد نشره في الجريدة الرسمية للدولة0 في الميدان خرجت على البرلمان طائفة تريد الانقضاض على نوابه بمنعهم من الجلسات عنوة0 وصلت البجاحة بهؤلاء حد الاعتداء البدني على النواب ومحاولة تكسير ابواب البرلمان لاحتلاله ومنع من اختارهم الشعب من اداء القسم وممارسة مهامهم0 ووقف خلف هذه الاعمال ايادي اللهو الخفي التي تمول خفافيش الظلام وفضائيات الفلول التي سلطت كاميراتها على الرافضين للمجلس بما يوحي بأن من يدخل هذا المكان فاقد للأهلية والشرعية0 تنازع القوتين الكبريين لقوة مجلس الشعب تفاجأت بأن الشعب الذي اختار نوابه على عينه غير راض عن تصرفاتهما0فالأغلبية التي فازت بالمقاعد النيابية وإن كنا غير راضين عنها ولا نتفق مع كثير من توجهاتها لا نملك إلا الانصياع لشرعيتها التي تؤكد حق الشعب في تحديد ممثليه وإلا سيكون الخروج عليهم خروجاً على قرار الشعب والشرعية الدستورية المحصن بها هؤلاء النواب0ولاينكر أحد أن الجالسين فوق مقاعد البرلمان الآن هم أصحاب الشرعية الوحيدة في الدولة0 فالمجلس العسكري يدير البلاد بتفويض مؤقت وغير مكتوب ولا يملك الاستمرار في مكانه دون تجديد التفويض بإجراءات دستورية أخرى0 والحركات الثورية في الشارع لا تعبر عن الجمع العام للمصريين بل تعكس حجم الاحتقان المتزايد في حالة الفوضى التي نعيشها وفشل المجلس العسكري والسلطة القضائية في تحقيق القصاص العادل والعاجز من قتلة الشهداء ولصوص المال العام بما حفز البلطجية على الانخراط في مواكب الثورة وارتكاب افظع الجرائم التي تلصق عمدا بالثورة والثائرين. هذه القوى الثورية رغم عظمة ما قامت به في مرحلة الإعداد للثورة وأساسها ومابعدها وسقوط مئات الشهداء من بين عناصرها إلا أنها لم تستطع تحريك الشارع إلى صناديق الانتخابات كما فعلت ذلك بذكاء القوى الإسلامية التي خاطبت الوازع الديني الفطري لدى المصريين فحصلت على أصواتهم بسهولة بينما القوى الثورية الليبرالية واليسارية حصلت على نسبة أصوات أعلى من وزنها الحقيقي في المجتمع دون أن تحقق أغلبية في مجلس الشعب0 وظهر في الجلسات الأولى للبرلمان أن القوة الشرعية الوحيدة محاصرة بين قوتين عملاقتين تريدان سحقها بما خلق حالة من الفوضى العارمة في الشارع لم يستطع المجلس العسكري السيطرة عليها ولا تحسمها القوى الثورية في صالحها0 الآن وقد ازدادت الأمور سوءا في البلاد وجاءت مجزرة بورسعيد لتسكب مزيدا من النار على الوطن المحترق بما جعل الغلبة للبلطجية وغابت دولة القانون نواصل الفوضى في الشارع تارة ضد البرلمان وأخرى ضد المجلس العسكري فلا احترمنا شرعية منتخبة ولا سلطة مؤقتة ارتضاها المصريون0 سقطت شرعية العسكر أمام زئير الثائرين وبقيت الشرعية البرلمانية تواجه واقعا أليما به قوى تريد الانقضاض على واقع ترفض الاعتراف به مهما كان معبرا عن أغلبية ومجلس عسكري لا يحسن تدبير الأمور0 اهتزت الثقة بين فرقاء الأمس والشعب بأثره يدفع الثمن من دم أبنائه الذين يتساقطون صرعى كل يوم وحاضر بلد تتهدم اركانه وتنقلت زمام الأمور به بما يدفعنا الى هوة سحيقة مظلمة لا أمل في الفرار منها خلال جيل أو جيلين0 لن نخرج من الواقع البشع الذي نحياه الا بانصياع كل القوى لشرعية البرلمان0 فقد اتفقت أغلبيتنا على الدواء الذي يجب أن نتجرعه مهما شعر البعض بمرارته0 فإذا قبلنا مرارة الحل اليوم على يد مجلس تقوده أغلبية إسلامية لعل ذلك يبث في قلوبهم الطمأنينة لكل التيارات المخالفة لهم ويخلق مستقبلا سياسيا يسود فيه التوافق أو الخلاف على السياسات دون تخوين أو تكفير لأحد0 ولعل الناس تتعلم من الحاضر الذي نعموا فيه بحرية الرأي فيصبح لديهم قدر من الطمأنينة والرغبة في التنوع السياسي بما يحقق طموحهم في الحياة دون تركيز على الخلافات الدينية والشرعية0 علينا تعليم العامة حدود الاختلاف وعدم الوصول به حد التناحر والاقتتال0 وليس بخاف على أحد أن المجزرة التي وقعت في بورسعيد لمشجعي النادي الأهلي وثيقة الصلة بالصراع القائم بين القوى السياسية التي تتحرك ضد البرلمان في وقت بدأت فيه أصوات النواب تطالب بالقصاص العادل لدم الشهداء والمصابين ومحاسبة الفاسدين الذين أهدروا أموال الدولة عمدا طوال السنوات الماضية0 حان الوقت كي نتعلم كيف نطوي جناح الرحمة فيما بيننا وتسكت الحناجر الملتهبة وتدق ساعة العمل ولاننسى أن العقاب الذي توجهه سلطة للأخرى سيصب ناره في قلب الوطن0 وستكون الرسالة الوحيدة التي سيفهمها العوام بأن الشعب يعاقب على اختياراته ولن نتمكن من إعادته أمام صناديق الاقتراع مرة أخرى بما يدفعنا إلى حكم عسكري دائم أو فاشية مستدامة.