يعتبر الاهتمام بالتعليم في إفريقيا، وحرص القارة على عدم فقدان أفضل عقول أبنائها، هو المدخل الحقيقي لتحقيق برنامج التنمية الرشيد الذي تسعى إليه إفريقيا حتى تخرج من أزماتها وتعبر نحو التقدم والتطور، وليس فقط من خلال الاستثمارات والمساعدات والدعم الأجنبي. قال موقع نيوز تايمز، إن تقديرات اللجنة الاقتصادية لإفريقيا تشير إلى أنه بين عامي 1960 و1989، غادر حوالي 127 ألفا من المهنيين الأفارقة المؤهلين تأهيلا عاليا القارة، ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة فإن إفريقيا تفقد 20 ألف مهني كل عام منذ عام 1990. وقد أثارت هذه الأرقام المخاوف من موت القارة موتا بطيئا، وقالت الأممالمتحدة إن هجرة المهنيين الأفارقة إلى الغرب واحدة من أكبر العقبات أمام التنمية في إفريقيا. ووفقا لتقرير البنك الدولي في عام 2014، تضاعف عدد المهاجرين الأفارقة بين عامي 1980 و2010 ليصل إلى 30,6 مليون. وهذا يمثل نحو 3% من إجمالي سكان القارة، رغم أن نصف هؤلاء كانت هجراتهم إلى داخل إفريقيا، وكانت كوت ديفوار وجنوب إفريقيا وبوركينا فاسو الوجهات الأكثر شعبية للمهاجرين، ومع مرور الوقت انخفض عدد الذين يفضلون البقاء في إفريقيا من 59 في المائة عام 1980 إلى 51 في المائة عام 2010. أسباب الهجرة الموقع رأى أن اضطرار العقول الإفريقية من أصحاب المهارات للهجرة إلى الدول المتقدمة وراءه رغبة قوية في التعلم والبحث عن الإمكانيات التي يحتاجها الباحثون وتفعيلها على أرض الواقع، بالإضافة إلى المناخ الملائم للإبداع العلمي الخالي من الصراعات والحروب والمجاعات والفقر والتخلف وفساد الحكومات والمنظومات والهيئات الحكومية التي تعمل على قتل طموح العلماء والباحثين من خلال الروتين القاتل والقوانين العقيمة. وذكر الموقع أن عدم وجود عمل ملائم، إلى جانب تدني الرواتب أهم الأسباب التي تدفع العقول الإفريقية إلى الهجرة، وكذلك قلة الثقة في الحكومات ويأس المهاجرين من تطور بلدانهم أو وجود مستقبل أفضل في بلدانهم، وأن من هؤلاء من قد يواجهون ملاحقات بسبب مواقفهم السياسية، أو الحروب والاضطرابات الاجتماعية فتكون الهجرة بالنسبة إليهم الحل الوحيد. واحتلت كل من الجزائر وموريتانيا وتشاد وغينيا قائمة أعلى الدول غير القادرة على الاحتفاظ بالمواهب، وقال ثابو مبيكي، رئيس جنوب إفريقيا "إن عدد المهنيين والمهرة الذين فقدتهم قارتنا على مدى العقود مخيف حقا. منذ عام 1990 فقدت إفريقيا 20 ألف أكاديمي غادروا بلدانهم، وإن 10 في المئة من المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات والموارد المالية من ذوي المهارات العالية غادروا القارة في السنوات الأخيرة". وتشير التقديرات إلى أن أكثر العلماء والمهندسين الأفارقة يعيشون ويعملون في الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة أكثر من أي مكان آخر في العالم . وأظهرت أبحاث، أن الأطباء الكينيين يهاجرون إلى الولاياتالمتحدة، والمملكة المتحدة وغيرها، وأن كثيرا منهم موجودون في جنوب إفريقيا. وفي عام 2015 قال البروفيسور جورج ماغوها، نائب المستشار السابق لجامعة نيروبي، إن بين 30 و40 في المائة من حوالي 600 طبيب ممن يتخرجون في كينيا سنويا يغادرون البلاد بعد الانتهاء من التدريب، مما يحدث خللا كبيرا في القطاع الصحي في كينيا، مشيرا إلى أن جنوب إفريقيا هي الوجهة الرائدة لدى هؤلاء الأطباء. وفي محافظة لامو الكينية، كشف تقرير عن أن 5 من أطبائهم استقالوا في أوائل عام 2015، ليبقى في المحافظة طبيب واحد فقط يعتني بأمر 100 ألف من المواطنين. لا تقتصر هجرة العقول الإفريقية على العلماء فقط بل تشمل أصحاب المواهب الإفريقية في العديد من المجالات، وكثير من هؤلاء يضطرون للهروب، وبعضهم يحقق نتائج مذهلة في الغرب، وعلى سبيل المثال، فوزيرة التربية والتعليم الفرنسية نجاة بلقاسم، ذات الأصول المغربية، قالت لصحيفة نيويورك تايمز، إنها ترعرعت بقرية بني شيكر الريفية شمال المملكة، حيث قامت لفترة غير قصيرة برعي ماعز العائلة، وأكدت أنها تتقن التحدث "بالريفية"، وأنها مازالت تستعملها خلال جلساتها العائلية. وتابعت بلقاسم الشابة المغربية المهاجرة، 36 عاما، التي باتت أول امرأة تشغل منصب وزيرة التعليم في فرنسا: "عندما شعر أولئك الشباب بالإحباط في مدارسهم، بحثوا عن هوياتهم في أماكن أخرى"، وفي الوقت الذي تعترف فيه بلقاسم بأن مسارها يبدو غير اعتيادي بالنسبة لكونها من المهاجرين إلى فرنسا، فإنها تشجع الأطفال المهاجرين والعقول المهاجرة على التمسك بألأحلام، وتقول: "ليس عيبا أن نفشل طالما أننا نستمر في المحاولة". طاقة أمل وقال موقع نيويورك تايمز، إنه رغم ما تواجهه القارة من هجرة خيرة شبابها وأكاديمييها، فإنه ليست كل الدول الإفريقية تعاني استنزافا كبيرا في العقول، فرواندا مثلا نجحت في الحفاظ على أفضل مواطنيها، كما أنها، وفق المنتدى الاقتصادي العالمي، تجذب المواهب الدولية. ويعتبر توصل العلماء في جنوب إفريقيا، مؤخرا، إلى ابتكار لقاح يقضي على فيروس نقص المناعة البشرية، والذي ستتم تجربتة في جنوب إفريقيا وتعلن نتائجه عام 2020، انتصارا لإفريقيا قبل أن يكون انتصارا للعلم، ومن شأن هذا اللقاح أن يقضي على هذا الفيروس الخطير خصوصا في جنوب إفريقيا حيث يعيش أكثر من من 6,8 مليون شخص من المصابين بالفيروس . لم الشتات قال موقع نيوز تايمز، إن هناك اقتراحات دائمة تتمحور حول إعادة المغتربين إلى أوطانهم بالتشجيع، وقد اتخذ الاتحاد الإفريقي على مدى العقد الماضي خطوات للتصدي لهذه المعضلة، من خلال وضع مبادرات مثل "مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا". وسعى إلى تشجيع الأطباء والعلماء والمهندسين وغيرهم من المهنيين الذين يشكلون الشتات الإفريقي للعودة إلى ديارهم وتسخير مواهبهم في العمل والمساعدة في تحقيق النهضة الإفريقية، رغم ما أظهرته دراسات من أن مثل هذه العودة لن تجدي نفعا طالما فشلت الحكومات الإفريقية لمعالجة الشد والجذب للعوامل التي تؤثر على الهجرة.