في الوقت الذي يحقق فيه الجيش السوري تقدمًا ملحوظًا، خاصة بالاتجاه الشمالي في مواجهة المجموعات المسلحة، ظهر كيان جديد تحت اسم "جيش حلب" لتوحيد المعارضة المسحلة، تروج له بعض القوي الإقليمية مثل قطر وتركيا والسعودية، لكن التقارير والإحصائيات تثبت أنه إعادة لصورة الجماعات المتطرفة التي تحمل نفس الإيديولوجيات السابقة، لتجميلها وإدماجها في المشهد السوري مرة أخرى وتسلحيها دوليًا لمجابهة تقدم دمشق في الفترة الأخيرة. يعد "جيش حلب" حلقة في سلسلة مسميات متغيرة نبتت على أرض سوريا؛ حيث غيرت جبهة النصرة تسميتها إلى "فتح الشام" بعد فك ارتباطها عن القاعدة في صورة كانت تحاول من خلالها تبرأتها من الإرهاب، حيث كانت تصنفها الأممالمتحدة والولايات المتحدةالأمريكية بإنها تنظيمًا إرهابيًا. تكوينه أطلقت الفصائل المسلحة قبل أشهر عملية أسمتها "ملحمة حلب الكبرى" هدفت فيها لاسترجاع مناطق سبق أن استعادها الجيش السوري وحلفاؤه، إلا أن العملية انقلبت على رأس مدبريها إذ استعاد الجيش السوري المبادرة منفذا كمائن أنهكت قوات المعارضة وأوقعت عددا من قيادييها الميدانيين بين قتيل وأسير، ما أنذر ببداية نهاية سيطرتها على الجزء الشرقي من المدينة. وبعدما تعرضت الفصائل المسلحة في شرق حلب لعدة نكسات أدت إلى خسارتها نصف المساحة التي كانت تسيطر عليها هناك، أعلنت الفصائل الموجودة في حلب الخميس الماضي، عن حل نفسها جميعا وانضوائها تحت ما سمي "جيش حلب" لمواجهة الهجمات العنيفة التي يشنها الجيش السوري وحلفاؤه على المنطقة، وتعيين المدعو "أبو عبد الرحمن نور" مسؤولا عاما والمدعو "أبو بشير معارة" مسؤولا عسكريا. ويتكون جيش حلب من مقاتلين سابقين كانوا ضمن 20 فصيلا مسلحًا متطرفًا، أبرزها حركة أحرار الشام، والجبهة الشامية، وجيش الإسلام، وجند الشام، وحركة نور الدين الزنكي، والحزب الإسلامي التركستاني، ولواء الحق، وفيلق الشام، وجبهة أنصار الدين، بالإضافة لفصائل الجيش الحر مثل الفرق 13، والشمالية، والوسطى، وجيش التحرير، وجيش المجاهدين، وجيش النصر، والسلطان مراد، وكتائب الصفوة، ولواء صقور الجبل. وتأتي جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) الأكثر إشكالية في هذا الجيش، وذكر عنها وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في تصريحات له الجمعة، إن "عدد مقاتليها في حلب يتجاوز ال1500 شخص"، مؤكدًا "يهيمنون على بقية المقاتلين" الذين قدر عددهم ب6000 مقاتل، فيما قدر المرصد السوري لحقوق الإنسان، عدد المقاتلين في شرق حلب بحوالي 15 ألف عنصر، بينهم مئات من جبهة فتح الشام. وقال لافروف في معرض حديثه عن هذا المكون الجديد، إن جميع فصائل المعارضة المسلحة في حلب تخضع لأوامر تنظيم جبهة فتح الشام، وعبر لافروف، في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيطالي باولو جنتيلوني، في روما، عن اعتقاده بأن الإعلان عن تشكيل "جيش حلب" الجديد، ليس إلا محاولة لتقديم جبهة فتح الشام تحت اسم جديد وإخراجه من تحت العقوبات الدولية المفروضة عليه. المروجون له وبينما يتولى المحور القطري التركي السعودي مهمة تلميع «جيش حلب»، وفتح الأبواب أمامه للظهور الإعلامي ومخاطبة الرأي العام، رغم أن أغلب المشاركين فيه مصنفون عالمياً تنظيمات إرهابية، تقدم «الجزيرة والعربي الجديد» مادة مروجه للجيش الجديد؛ وتحت عنوان «جيش حلب.. رسائل الوحدة بمواجهة الطغاة».. أدعت قناة الجزيرة نقلًا عن خبراء أن جيش حلب، نتاج وضع مأساوي في المدينة أجبر الفصائل المسلحة على التوحد تحت قيادة واحدة لتشكيل قوة ضاربة تستطيع الدفاع عن المدنيين، بينما تناست القناة وتغاضت عن شرح تكوين هذا الجيش الذي يضم حركة نور الدين الزنكي المتهمة بذبح طفل فلسطيني العام الماضي، فيما وصفت قناة العربي الجديد التي تبث من لندن ويمولها عناصر إخوانية في تقريرًا لها «جيش حلب» بأنه وحدة عسكرية متأخرة لصد الغزو، ونقلت عن أحد المحللين تعقيبًا على إنشائه: «هذه الخطوة ضرورية من أجل إدارة المعركة بقيادة موحدة والاقتصاد بكل شيء، من استهلاك الذخيرة والطعام والوقود». وفي ضوء هذا التغير، صوت الكونجرس الأمريكي لتخويل الإدارة الجديدة وبشكل واضح وصريح، بتسليح المعارضة السورية (المعتدلة) بصواريخ مضادة للطائرات، فيما يعد تحولًا في مجلس الشيوخ الأمريكي الذي رفض مثل هذه الدعوات من قبل، لكن يؤكد مراقبون أن استباق خطوة الجماعات المسلحة بانطوائها تحت مسمى واحد، جاء لطلب الحصول على هذه الأسلحة الأمريكية بحجة أنهم الكيان الوحيد الذي ينطوى تحته كل الجماعات للاستمرار في الحرب ضد الجيش السوري، لاسيما في ظل تجمد نشاطهم في الفترة الأخيرة والحصار المفروض عليهم من القوات السورية منذ شهور. ويرى محللون أن أمريكا بدأت تعطي الإشارة تدريجيا بتسليح الجيش الجديد ليكون رأس حربة في مواجهة النظام السوري، وقد يتبعها خطوة مقبلة بالاعتراف ب«جيش حلب» كقوة مسلحة بعيدًا عن ضمها لجماعات متطرفة لخروجه من قوائم الإرهاب الأمريكية ولدعمه في صورة علنية ليكون واجهة الحرب ضد الجيش السوري وداعش في صورة «المعارضة المعتدلة».