أعجبنى توصيف طارق الخولى – المتحدث الرسمى باسم حركة شباب 6 ابريل الجبهة الديمقراطية – الذى أطلقه ردا على حملة البلاغات الكاذبة التى يحركها الفلول ضد النشطاء المصريين.. طارق الخولى أسماها “إنتفاضة الفلول”.. وهو توصيف دقيق لتلك الحملة المتزايدة.. والتى لا تعكس سوى توتر شديد لدى من يدفعون بهم إلى مكتب النائب العام لتقديم تلك البلاغات.. إما مدعومين ماليا, أو موعودين بشىء ما, أو مجندين لدى جهات بعينها تعتمد منهجا بات واضحا لتشويه الثورة بثوارها ومؤيديها والمتعاطفين معها جميعا. “إنتفاضة الفلول”.. هو التعبير الأكثر ملاءمة.. فالمراقب لتحركات هؤلاء يجدها مرت بأربعة مراحل, منذ بداية الثورة.. حتى وصلت إلى مرحلة الانتفاضة ضد الثورة.. وهى المرحلة الأخيرة التى نعيشها الآن.. أزهى عصور الفلول!! بعد تنحى أو تخلى – ويطيب لى وصف خلع – المخلوع فى فبراير الماضى.. بدا أذيال النظام الساقط, كما لو كانوا فى غيبوبة بفعل الصدمة.. والصدمة كانت حقيقية.. فقد بوغتوا بواقع هز الأرض تحت أقدامهم بشدة.. منهم من سقط سقوطا مروعا.. ومنهم من لاذ بالفرار, فى الداخل أو فى الخارج.. ومنهم من جرى بكل قوته فى اتجاه الثورة.. خالعا بكل بساطة رداءه القديم.. مرتديا مسحوحا كاذبة للثوار.. فى مرحلة الصدمة, وهى المرحلة الأولى لتطور آداء الفلول.. لم يكن صوت يعلو على صوت الثورة.. فالتزم معظمهم أماكنهم.. بيوتهم.. أو أعمالهم.. مكتفين بتجرع الحسرة على أيام “العز” السابقة.. ونعيم لجنة السياسات, الذى غرق فيه الكثيرين فى مؤسسات الدولة جمعاء.. ليس فقط فى المشهد السياسى.. وفى مرحلة الصدمة تلك.. كان أباطرة النظام مازالوا أحرارا طلقاء.. قضوا ليلهم ونهارهم – بمساعدات داخلية وخارجية – فى نزح ما تبقى من اموالهم فى الداخل.. و”تستيف” أوراقهم بالتخلص من بعضها.. وتهريب بعضها للخارج لاستخدامها فى وقت معلوم.. وفى تلك المرحلة, لم تكن هناك ثمة أوامر لتحريك الأذناب فى طول الوطن وعرضه.. ولا كانت هناك جماعات مثل: “آسفين يا ريس” و”أبناء مبارك” وإئتلاف الاغلبية الصامتة”.. ولا ما شابه من جماعات توصم بلا شك بأنها فلول للنظام الساقط.. فى مرحلة الصدمة تلك بدا الأمر كما لو كان يسيرا.. وكما لو أن بوصلة الوطن تتجه إلى طريقها السليم أخيرا. أما المرحلة الثانية فى التطور الطبيعى للفول فقد جاءت مع “المطب” الكبير الذى وقعت مصر كلها فيه, وقت عبورها للمستقبل.. الاستفتاء على تعديلات المخلوع الدستورية.. هنا بدأ الفلول يطلون برؤسهم من الجحور التى اختبأوا فيها منذ 25 يناير 2011.. لا سيما أن الاستفتاء اعقبه فتح الباب لتسجيل الأحزاب الجديدة.. فى تلك المرحلة كان الفلول يرغبون بشدة دخولا سريعا فى عباءة الثورة.. يضمن لهم التغاضى عما سبق.. وتزامن ذلك مع سيل الدعاوى الذى انهمر على رؤسنا جميعا بالتسامح والمصالحة والنظر صوب المستقبل وبناء مصر.. وهى دعاوى وشت بظهور خجل من وراء ستار لأباطرة النظام الساقط.. وبدت رائحة أموال ما تظهر فى الأفق, ثم ما لبثت أن أزكمت الأنوف فيما بعد.. متزامنة مع ظهور “المتأسفين للريس”.. والذين لا يخلجلون من وصم أنفسهم بأنهم “أبناء مبارك”.. وأولئك الذين يفخرون بأنهم “الأغلبية الصامتة”.. دونما فهم لمعنى الكلمة.. وحتى زعيم مملكة البط الشهير, الممنوع من الظهور!!.. الخطأ الأهم الذى ارتكبه الواعون فى تلك المرحلة.. هو أنهم أخذوا تلك التحركات التى بدت بلهاء بسخرية.. تلك السخرية دفع الجميع ثمنها فيما بعد.. فجروبات الفيس بوك والتويتر.. وحملات النكات المتواصلة عليهم – رغم أهميتها – كانت المشرط الذى دخل عمق تلك الأورام السرطانية.. فما لبثت أن انتشرت مبعثرة نشاطها الخبيث فى أرجاء الوطن.. تلك الجماعات المدعومة – بحسب تصريحاتها التى لم ينفها أحد – من السلطة التى تدير البلاد.. إنتقلت بنفسها من الفضاء الإلكترونى الافتراضى.. إلى كل مكان يخرج فيه الثوار للمطالبة بنتفيذ أهداف الثورة.. ثم إلى الفراغ المحيط بأكاديمية الشرطة.. معتدين بدنيا على أهالى الشهداء.. مزودين بالماء والطعام وصور المخلوع.. محمولين فى اتوبيسات مكيفة ذهابا وعودة.. ملتحفين جلودا سميكة تجاه كل حملات السخرية ضدهم على مدار شهور مضت.. مرحلة الخروج من الجحور تلك هى مفتاح ما وصل إليه حال الفلول الآن!! المرحلة الثالثة فى تطور الفلول.. والتى تزامنت مع تبجح تلك الجماعات التى تسولت نسب المخلوع.. مكنت لأولئك فى كل المؤسسات.. لا سيما الإعلامية.. فبدت أصواتهم أكثر ارتفاعا.. وبدت أقدامهم أكثر رسوخا.. وبدوا أكثر استهتارا ونكرانا لفكرة الثورة وأهدافها.. وأكثر استهانة بالدماء التى أريقت فى أرجاء الوطن للوصول إليها.. فخرجت علينا فضائيات الفلول.. التى – بغباء شديد – جمعت كل من يعرف الشعب أنهم فلول.. يتحدثون عن الثورة بما فى ضمائرهم.. فيعبثون بفكر البسطاء.. ويشوهون الثوار.. ويصمون الثورة بأنها “نكسة” ألمت بمصر.. كما خرجت علينا أيضا صحف للفلول.. تبث سما فى العسل لقارىء جرت على قدم وساق عملية ممنهجة لطمس مساندته للثورة, بشيطنتها.. أما صحف النظام الساقط.. التى يقال عنها قومية.. فقد أخرجت فلولا أردأ حالا ممن كانوا قبل الثورة.. فلول يبحثون عن إله ليعبدوا.. وإن لم يجدوا, صنعوا لنفسهم إله يضربون حوله سياجا للحماية.. وإله هؤلاء ليس فقط السلطة الحاكمة الآن.. ممثلة فى المجلس العسكرى, بل انسحب أيضا على من توقعوا بأنه سيصبح سلطة حاكمة.. ممثلة فى التيارات الإسلامية!!.. بالطبع قليل منهم أفلتوا من كمين السقوط هذا, واتجهوا للقارىء.. ويبقى زعيم مملكة البط الشهير, الممنوع من الظهور الآن متألقا فى تلك المرحلة!! أما المرحلة الرابعة والأخيرة.. فهى تلك التى نحياها الآن.. يطارد فيها الفلول الناشطين الثائرين فى مكتب النائب العام.. ويطاردونهم فى شوارع الوطن.. فيردونهم مصابين أو شهداء.. ويطاردونهم فى القضاء العسكرى ليستقروا فى السجون بلا ذنب أو جريرة.. ودون حق فى قضاء مدنى عادل.. تلك المرحلة جاء الرد عليها متأخرا, لكن لم يفت أوانه بعد.. جاء الرد فى حملات تجوب شوارع الوطن للحديث مع المصريين فى الأحياء الشعبية.. حملات متنوعة “كاذبون” أحيانا.. و”سلاسل مصرنا” أحيانا.. وحملات اخرى يقوم بها شباب يحمى نفسه بوطنيته فقط.. أما معظم من يصفون انفسهم بتيارات الإسلام السياسى.. فقد كانوا فى كل تلك المراحل إما انتهازيون يبحثون عن مصلحة.. أو فلول بجدارة!! إيمان إمبابى