أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بحدوث مصادمات مسلحة هي الأولى من نوعها بين قوات جيش الاحتلال في مرتفعات الجولان المحتل، وبين مجموعات إرهابية مسلحة تنتمي إلى تنظيم «داعش»، وذلك أمس عندما أطلق أربعة مسلحين منتمين لما يمسى "شهداء اليرموك"، الذي تحول بعد مبايعة التنظيم إلى "جيش خالد بن الوليد" النار على عناصر كمين للقوات الإسرائيلية في منطقة قريبة من تمركز للعناصر المسلحة بالقرب من نقاط التماس مع تنظيم «فتح الشام» أو «جبهة النصرة» سابقاً، والذي ينخرط في صراع مسلح مع تنظيم «داعش» منذ أكثر من 3 سنوات. وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أمس عن تعرض قواته لنيران متوسطة وخفيفة من عربة تقل أربعة مسلحين منتمين لداعش في منطقة أحراش جنوب الجولان المحتل على الحدود السورية، بعد انكشاف موقع كمين للجيش الإسرائيلي الذي رد بإطلاق قذائف هاون والنيران رشاشة على العربة التي كانت تقل المسلحين وتصيبهم. وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليوم عن أن الجيش الإسرائيلي شن غارات جوية على موقع المسلحين المنتمين لداعش في الجولان ب10 قنابل تزن الواحدة 1 طن، وأن الموقع المستهدف كان يستخدم لتخزين الأسلحة والتدريب لفتح جبهة قتال في الجولان ضد عناصر جبهة النُصرة المدعومة من إسرائيل في مرتفعات الهضبة السورية المحتلة من أوائل 2014. وفي السياق نفسه نشرت صحيفة يديعوت آحرونوت أن هذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها التنظيم أهدافاً إسرائيلية منذ نشأته وتمدده في سوريا، ملمحة في تقرير إخباري إلى توعد قائد التنظيم، أبو بكر البغدادي، في أخر تسجيل صوتي له مهاجمة كيان العدو للمرة الأولى في سلسلة كلماته المسجلة. ورأت الصحيفة الإسرائيلية أن ما أثاره خطاب البغدادي يأتي ضمن احتياط تل أبيب لأن تكون السيطرة على خط الحدود الفاصل بين الأجزاء المحررة من الجولان والمحتلة منه، والذي يعرف بخط 1974، تابعة بشكل حصري لعناصر "المعارضة المعتدلة"، بما في ذلك عناصر "جبهة النُصرة". وجدير بالذكر أن الطيران والمدفعية الإسرائيلية كثيراً ما كفلت غطاء جوي لعناصر النُصرة في الجولان المحتل، بما في ذلك محاصرة قوات الأندوف التابعة للأمم المتحدة أواخر أغسطس 2014، وأيضاً توفير غطاء نيراني على امتداد الخط الفاصل في معارك النصرة مع قوات الجيش السوري أو حلفاءه. وشهدت المنطقة الفاصلة في الجولان عمليات إسرائيلية استهدفت عدد من عناصر حزب الله اللبناني، الذي ينخرط في قتال ضد العناصر الإرهابية بجوار الجيش السوري، وكانت معظم هذه العمليات في المنطقة الفاصلة في الجولان والتي تشكل فيها عناصر النُصرة جبهة متقدمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأس هذه العمليات كانت عملية القنيطرة التي استشهد فيها عدد من عناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني، من بينهم نجل الشهيد عماد مغنية، القائد العسكري السابق لحزب الله، جهاد مغنية، مع عدد من رفاقه، وكذا استهداف الأسير المحرر سمير القنطار واستشهاده بقصف جوي إسرائيلي في القنيطرة. وجدير بالذكر أيضاً أن التعاون بين النُصرة وبين جيش الاحتلال لم يقتصر فقط على التغطية النيرانية، ولكن أمتد إلى فتح مستشفيات الاحتلال لرعاية مسلحي النصرة بعد إصابتهم، كذا التنسيق الأمني بين الجانبين فيما يخص تواجد عناصر حزب الله مؤخراً في الجولان والقنيطرة. وعن تواجد جبهة النُصرة في القنيطرة والشريط الحدودي الفاصل في الجولان يقول المحلل في القناة الثانية الإسرائيلية إيهود يعاري، أن "من ناحيتها، تجنبت جبهة النصرة أي محاولة للانخراط في عمليات إرهابية ضد إسرائيل، ويبدو أن الجماعة قد قررت عدم التورط في مواجهات مع قوات الجيش الإسرائيلي في الوقت الراهن، إذ يفضل قادتها التعاون غير المقيد والمتغير حسب الظروف مع جماعات أخرى من الثوار، بمن فيهم أولئك الذين لهم علاقات مع إسرائيل. (..) وبغض النظر عن الوضع الحالي لجبهة النصرة، لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل التهديد المحتمل على المدى البعيد الذي تشكله هذه الجماعة، كما ولا يمكنها أن تغض الطرف عن إمكانية تسلل مقاتلي تنظيم داعش إلى المنطقة من معاقلهم في "وادي الفرات" تلك الأراضي التي أُطلق عليها اسم الدولة الإسلامية. وحتى الآن، قررت الحكومة الإسرائيلية عدم اتخاذ إجراءات وقائية عبر الحدود لصد منتسبي تنظيم القاعدة أو إضعاف قوتهم العسكرية". ويتسق السابق مع إستراتيجية إسرائيل تجاه الحرب ضد داعش، التي تبدأ من الاستفادة والتوظيف في تأمين حدود فلسطينالمحتلة مروراً بدعم غير مباشر لفصائل إرهابية أخرى مثل جبهة النُصرة لتشكيل درع على جبهة الجولان، وصولاً إلى إمكانية التدخل في مناطق تخليها داعش سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق النُصرة، وذلك لضمان وصول القوات السورية وحلفائها إلى مناطق حررت من سيطرة داعش في جنوبسوريا، حتى وإن كان هذا يعني خطر وجودي على سكان الجولان من الدروز، والذين يوجد لهم امتداد داخل فلسطينالمحتلة، مثلما حدث في يونيو من العام الماضي وقيام جبهة النُصرة بغطاء إسرائيلي بتنفيذ مذابح بحق دروز جبل السماق، والتي تبعها انتفاض دروز فلسطينالمحتلة على مسألة معالجة مسلحين الجبهة في مستشفيات الكيان الصهيوني. وتعكس الحادثة الأخيرة نية إسرائيل في استغلال مناوشات مثل هذه كذريعة لتقنين وانتزاع شرعية تواجدها في الجولان المحتل، خاصة بعد عودة قوات الأندوف واحتمالية تعديل خط 1974، كذا ادعاء حماية أقليات درزية في المنطقة، وكل ذلك في إطار مرحلة ما بعد داعش، وحصد مزيد من المكاسب الأمنية والإستراتيجية من تداعيات الأزمة السورية، خاصة وأن إستراتيجية تل أبيب الأمنية التي هدفت منذ أكثر من عامين إلى خلق طوق أمني على طول حدود سورياوفلسطينالمحتلة قد مُنيت بفشل كبير على أثر الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوري وحزب الله في هذه المناطق، والتي حالت دون تحقيق التفاف يهدف إلى عزل الداخل السوري عن حدوده الجنوبية-الشرقية وتمركز مسلحي النُصرة وغيرها في هذه المناطق بالتوازي مع حملات الشرعنة والتبييض التي هدفت إلى قبول شعبي وإقليمي ودولي بوجود النُصرة، ولذلك أتت مسألة دروز سوريا وتواجد دوائر مسلحة تعلن تأييدها لداعش ومؤخراً تهديدها الصوتي لإسرائيل، لتجدد طموح الكيان الصهيوني في إيجاد طوق أمني ومنطقة نفوذ مبررة وشرعة داخل الأراضي السورية، بعد أعوام من التواجد الغير رسمي والغير معلن.