شغل الرأي العام العالمي في الآونة الأخيرة حدث من أهم الأحداث التي ظل يترقب نتيجته الكثيرين في أرجاء المعمورة لمعرفة ما سيؤول إليه الأمر، وهذا الحدث هو انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي فاز بها المرشح الرئاسي دونالد ترامب. فما أن أعلنت هذه النتيجة إلا وانهال على إثرها الكثير من ردود الأفعال السلبية والانتقادات الحادة، وكذلك بعض ردود الأفعال الإيجابية من كل حدبٍ وصوب. وفي إطار هذا الوضع الضاغط والمستمر، هل تساءلنا كيف يُنتخب الرئيس الأمريكي ؟ وما هي الإجراءات المتبعة بشأن انتخابات الرئاسة الأمريكية ؟. والجواب : تختلف النظم السياسية المتبعة باختلاف التنظيم الداخلي لكل دولة على حِدة، إذ أن لكل دولة شكل ونظام سياسي معين، ومن بين هذه الأنظمة النظام الفيدرالي أو المركزي، الذي تتبعه وتأخذ به بعض الدول. وتعد الولاياتالمتحدةالأمريكية من الدول الرائدة التي تتبع النظام الفيدرالي، الذي تنظمه القوانين الفيدرالية وتكمله أنظمة الولاياتالأمريكية. فقد أنشئ الدستور الأمريكي نظاماً سياسياً متميزاً، يكفل الحقوق والحريات الفردية، ويهدف إلى إيجاد حكومة مركزية تمتلك من الصلاحيات ما يمكنها من القيام بكافة الاختصاصات والأعمال الموكلة إليها بمنتهى المهنية والاحترافية والشفافية. وتوضيحاً لذلك، فإن الفيدرالية هي نظام ذو طبيعة مزدوجة تقسم فيه السلطة بموجب دستور بين حكومة مركزية وحكومات الأقاليم التي تقوم على أساس الاستقلال في ممارسة الاختصاصات المحددة لها في الدستور، ومن ثم فإن النظام الفيدرالي يشير في جوهره إلى تدعيم وترسيخ الوحدة واللامركزية والحفاظ عليهما معاً. ولمعرفة الإجراءات والآليات المتبعة في انتخابات الرئاسة الأمريكية في ظل النظام الفيدرالي الأمريكي، التي توصف بأنها مربكة ومبهمة ومليئة بالتعقيدات الفنية والإجرائية، ينبغي أن نوضح أن انتخابات الرئاسة الأمريكية تحدث عبر مرحلتين، الأولى: تعرف بمرحلة الانتخابات التمهيدية، وترتكز هذه المرحلة على مبدأ الثنائية الحزبية، إذ يسمي كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مرشحاً ويدعمه لرئاسة الجمهورية، وتتم هذه المرحلة على مستوى الولاياتالأمريكية. وينبغي أن نذكر دون خشية التردي في الإسراف في القول: إن الدستور الأمريكي لم يرد فيه أية نصوص تنظم المرحلة التمهيدية لانتخابات الرئاسة الأمريكية، بل لم يرد في هذا الدستور أي نص يشير إلى خلق وإنشاء الأحزاب السياسية في الولاياتالمتحدة وتنظيم عملها. إذ أن تنظيم الأحزاب وتنظيم الإجراءات التي تتم في تلك المرحلة تنظمها وتحكمها – كما سبق وأن أشرنا أعلاه بصدد النظام الفيدرالي – قوانين الولاياتالأمريكية، إلى جانب بعض القوانين الفيدرالية، كقانون تمويل حملات انتخابات الرئاسة. وفي هذه المرحلة التمهيدية يتم اختيار المرشحين الذين سيخوضون الانتخابات العامة، ويتم انتخاب المرشح من كل من الحزبين الرئيسيين، الديموقراطي والجمهوري، حيث تجرى انتخابات في كل ولاية من الولاياتالأمريكية، يصوّت فيها المنتمون لكل حزب. ثم يختار المرشح من كل حزب نائباً له، ويتم التصديق عليهما رسمياً في مؤتمر الحزب، وفي حال فوز أحد المرشحين في الانتخابات التمهيدية، فإن ذلك يؤدي عادةً إلى ترشيح الحزب السياسي أو تأييده له مرشحاً في الانتخابات النهائية. والمرحلة الثانية والنهائية من انتخابات الرئاسة الأمريكية هي التي ينظمها ويحكمها المجمع الانتخابي، وقد نص على هذه المرحلة الدستور الأمريكي، وهي على النقيض من المرحلة التمهيدية التي لم يرد بشأنها أي نص أو تنظيم في الدستور الأمريكي، حيث نص الدستور على انتخاب الرئيس الأمريكي عن طريق المجمع الانتخابي، الذي يضم مجموعة من الناخبين، ممن يتم اختيارهم وفق شروط يحددها المجلس التشريعي في كل ولاية. وقد تم توزيع المجمع الانتخابي بين الولايات على النحو الذي يكفل لكل ولاية عدد من الأصوات الانتخابية يكون مساوٍ لعدد أعضائها في مجلسي الشيوخ والنواب، ووفقاً لهذا التوزيع يكون لكل ولاية ثلاثة أصوات انتخابية كحد أدنى، بحسب عدد السكان في كل ولاية منفردة، ومن ثم يكون هناك صوتين لعضوي مجلس الشيوخ (بواقع اثنين عن كل ولاية من الولاياتالأمريكية ومجموعها خمسون ولاية) وصوت واحد لعضو مجلس النواب. ومن ثم يكون إجمالي عدد أصوات المجمع الانتخابي 538 صوت. بواقع 100 صوت لعدد أعضاء مجلس الشيوخ، و435 صوت عن أعضاء مجلس النواب، الذين يُقدّر عددهم ب 435 عضو يتم توزيعهم وفق عدد سكان كل ولاية، بالإضافة إلى ثلاثة أصوات للعاصمة الأمريكيةواشنطن. والمرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من أصوات الناخبين في أي ولاية يفوز بكل أصوات تلك الولاية في المجمع الانتخابي، فيما يعرف بقاعدة الفائز يحصل على كل شيء، بينما منافسه المرشح الآخر لا يحصل على أي شيء. والمعول عليه في تحديد الفائز بانتخابات الرئاسة الأمريكية هو مجموع أصوات المجمع الانتخابي التي تحتسب في كل ولاية من الولاياتالأمريكية، والتي من خلالها يتم تحديد الفائز برئاسة الولاياتالمتحدة. ويلزم فقط لفوز المرشح بالرئاسة أن يحصد 270 صوتاً على الأقل في المجمع الانتخابي، إذ أن تحقيق هذا النصاب من الأصوات يمنحه الفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية. وقد صعد دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد، على عرش حكم الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعدما حصد 274 صوتاً. وبخصوص تمويل حملات انتخابات الرئاسة الأمريكية، فهناك عدة مصادر لعملية التمويل، ومنها المال العام، حيث يخصص جزء محدود من المال العام لتمويل الحملات الانتخابية لكل مرشح، وتأتي بعد ذلك المساهمات التي تقدم من قبل لجان العمل السياسية، التي تدعم وتؤيد أحد المرشحين وتجمع له التبرعات، إلى جانب مساهمات بعض الأفراد. وجدير بالذكر أن جماعات الضغط والمصالح التي تتمتع بنفوذ كبير داخل أروقة الولاياتالمتحدة تقوم بأداء دور كبير في دعم مرشحيهم للرئاسة الأمريكية، إذ أنهم ينفقون ببذخ وسخاء على تمويل الحملات الانتخابية لمرشحيهم الذين يدعمونهم، ويستخدمون في سبيل تحقيق تلك الغاية سلاح الإعلام الذي يؤدي دوراً محورياً وجوهرياً في الحملات الانتخابية.