تبلورت مساعي روسيا للتقارب مع دول الاتحاد السوفيتي في العام الماضي، عندما بدأت موسكو لأول مرة، تزوّد جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بالطائرات الحربية، حيث سلّمت جمهورية بيلاروسيا 4 طائرات من طراز (ياك-130)، وسلّمت كازاخستان 4 طائرات من طراز (سو-30إس إم)، وفي أكتوبر الماضي، توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى كازاخستان لبحث التعاون ضمن إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ويبدو أن المرونة التي أبدتها روسيا في تعاملها مع بعض دول الاتحاد السوفيتي أو التي كانت خاضعة لقيادتها، بدأت تثمر في بعض هذه الدول؛ حيث خاضت بلدان في أوروبا الشرقية هما بلغاريا ومولدوفا، انتخابات رئاسة كان الفوز فيها من نصيب قائدين معارضين للتوجه الأوروبي والتقارب مع روسيا. مولدوفا.. نحو التقارب أعلن إيغور دودون زعيم الاشتراكيين في مولدوفا عن فوزه في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية المولدوفية، وأنه حظي بأصوات أغلبية الناخبين المطلوبة، ما يخوله الإفصاح رسميا عن فوزه، وناشد الرئيس الجديد منافسته مايا ساندو مرشحة القوى اليمينية المطالبة بالتقارب مع الاتحاد الأوروبي تهدئة مؤيديها. ويعد التركيز على الانتخابات الرئاسية في مولدوفا ليس كونها دولة سوفيتية سابقة فحسب، بل لأنها تحتوي على انقسامات داخلية بين التقارب مع روسيا وأخرى تنادي للتقارب مع الغرب، الأمر الذي منع البرلمانيين من الإجماع على نهج أو مسار يوحدهم ويخرج البلاد من أزمة السلطة المزمنة فيها، ويعكس فوز دودون على منافسته مايا ساندو اقتصادية البنك الدولي السابقة والمؤيدة للغرب، فقدان الثقة بالزعماء الموالين لأوروبا في الجمهورية السوفيتية السابقة التي يبلغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة والتي شهدت اضطرابات بعد كشف النقاب عن فضيحة فساد في أواخر 2014. الوعود التي تعهد بها الرئيس الجديد تنبئ بعهد جديد في العلاقات المولدوفية الروسية، فالأولى كانت وقعت على اتفاقية سياسية وتجارية مع الاتحاد الأوروبي في 2014، أضرت بعلاقاتها مع موسكو، ويريد الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه دودون إلغاءها والانضمام إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي. الرئيس الجديد لبلغاريا مقرب من روسيا فاز مرشح المعارضة الاشتراكية، رومين راديف، المقرب من موسكو، الأحد الماضي، بالانتخابات الرئاسية في بلغاريا، على منافسته مرشحة الحزب الحاكم ورئيسة البرلمان، تسيسكا تساتشيفا، وكان بوتين هنأ راديف بفوزه، مُعربا عن ثقته في دفع الحوار السياسي وتطوير العلاقات بين البلدين. النقطة المهمة في هذا الفوز أنه يمنح روسيا الأفضلية في بلغاريا على حساب الغرب، فرئيس الحكومة البلغارية المحافظ، بويكو بوريسوف، كان أعلن، في وقت سابق، عزمه الاستقالة في حال هزيمة مرشحته المؤيدة للاتحاد الأوروبي، وقال: "لن نشارك بأي شكل في الحكومة إذا خسرنا اليوم"، ما يخلي الساحة السياسة في بلغاريا أمام الدعوات السياسية المطالبة بالتقارب مع الروس، حيث يشير محللون إلى أن فوز الجنرال السابق رومين راديف قد يشكل دفعا إضافيا لبلغاريا، الشيوعية سابقا، التي لطالما بدت متأرجحة بين موسكو وبروكسل، إلى فلك روسيا في توجه تشهده أوروبا الوسطى والشرقية، وسط زيادة التشكيك في جدوى "التجربة الأوروبية". الجدير بالذكر أن الحرب الروسية العثمانية (1853-1856) أدت إلى تشكيل الدولة البلغارية الثالثة، وبعدها بسنوات شهدت بلغاريا عدة نزاعات مع جيرانها، مما دفعها للتحالف مع ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية في عام 1946م، وأصبحت بلغاريا دولة اشتراكية حزبية واحدة بقيادة الاتحاد السوفيتي. كازاخستان وبلاروسياوأرمينيا يصطفون إلى جانب روسيا وبالأمس، صوتت الدول بالأمم المتحدة لصالح قرار أممي يعتبر التواجد الروسي بشبه جزيرة القرم احتلال، حيث صوت لصالح القرار 73 دولة من أصل 172 دولة، واللافت أن ثلاث دول سوفيتية صوتت ضد المشروع الأوكراني، وهي بلاروسيا، وكازاخستان، وأرمينيا، وكما معروف، فإن أوكرانيا طرف مدعوم مباشرة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتحيز الدول السوفيتية السابقة ضدها، يعني أنهم فضلوا التقارب مع موسكو على حساب واشنطن، الأمر الذي بدا صادمًا للأوكرانيين. وكشفت مسؤولة برلمانية أوكرانية أن نظام الحكم الأوكراني أصيب بصدمة مؤلمة عندما علم أن ثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة هي أرمينيا وكازاخستان وبيلاروسيا، اعترضت على مشروع القرار الأوكراني، حيث قالت إيرينا غيراشينكو، النائبة الأولى لرئيس البرلمان الأوكراني، "نحترم حق أرمينيا وكازاخستان في العلاقات الخاصة مع روسيا، أما بالنسبة لبيلاروسيا فنعتبر اعتراضها بمثابة الطعنة في الظهر". ويبدو أن روسيا مازالت تحلم بعودة الاتحاد السوفيتي، حيث أعلن زعيم الشيوعيين الروس، غينادي زيوغانوف، مطلع الشهر الجاري، أن حزبه وهو ثاني أكبر حزب سياسي في روسيا يسعى إلى تنفيذ مهمة بعث الاتحاد السوفييتي، "وسنفعل كل ما بوسعنا من أجل استعادة دولتنا القوية التي تم تفكيكها، عن طريق بعث السلطة الاتحادية وتمرير أفكار ثورة أكتوبر الكبرى". وكان الاتحاد السوفيتي في البداية يتكون من اتحاد أربع جمهوريات سوفيتية اشتراكية سابقة إلا أنه بحلول عام 1956 أصبح الاتحاد السوفيتي كيانا ممثلا لخمس عشرة دولة اتحادية، وتشكل الاتحاد عام 1922 وتفكك في 1991.