أنصار تحسن العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا قد يسعدوا بالفوز المفاجئ لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فقد دعا المرشح الجمهوري مرارا وتكرارا بأنه على واشنطن "الوقوف جنبا إلى جنب" مع موسكو. بالتأكيد، حدوث تغييرات إيجابية ملموسة في العلاقات الروسية الأمريكية هو أمر وارد وممكن، ولكن لن تكون مستدامة، حيث أمريكا هي دولة المؤسسات العميقة واختلافات جوهرية حول قضايا أساسية مثل استراتيجية الدفاع الصاروخي الأمريكي، توسع الناتو واستعداد روسيا لاستخدام القوة، فضلا عن عدم وجود علاقات اقتصادية قوية بين البلدين، تجعل نقلة نوعية في العلاقات الثنائية أمر غير مرجح. هناك العديد من الأسباب التي تجعل خبر فوز ترامب أرسل بعض الذبذبات الإيجابية وراء جدران الكرملين وداخل البرلمان الروسي. خلال حملته الانتخابية، قدم ترامب تصريحات بالتأكيد أسعدت القادة في روسيا، واحدة من عدد قليل من البلدان التي كان يحظى فيها بشعبية أكثر من هيلاري كلينتون. وعد ترامب بإعادة النظر في رفع العقوبات الأمريكية ضد موسكو. وطرح فكرة الاعتراف "بالقرم" كجزء من روسيا. وهاجم ترامب حلفاء أمريكا الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي لعدم الإنفاق بما فيه الكفاية على الدفاع مقارنة بالنسبة الكبيرة التي تدفعها الولاياتالمتحدة. وكان ترامب قد دعا إلى التعاون بين الولاياتالمتحدةوروسيا في سوريا ضد تنظيم "داعش"، واصفا الرئيس السوري بشار الأسد بأنه أهون الشر من بدائله. وهاجم نهج أوباما بتعمد إثارة الفزع عالميا ضد موسكو. وأخيرا، على صعيد شخصي، وصف ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كزعيم قوي سيكون مستعدا لقائه حتى قبل التنصيب. رد بوتين بعض المجاملات لترامب، قائلا في رسالته إلى الرئيس الأمريكي المنتخب أن "روسيا على استعداد لاستعادة علاقات واسعة النطاق مع الولاياتالمتحدة ونحن نفهم أنه سيكون طريقا صعبا، لكننا مستعدون للقيام بدورنا". هذه المبادرات والمجاملات المتبادلة من المرجح أن تؤدي إلى بعض التحسينات في العلاقات الثنائية، التي وصلت إلى مستوى "الحضيض" على حد تعبير رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف. يمكن توقع بعض التنسيق الفني بين الولاياتالمتحدةوروسيا في سوريا يتجاوز المستوى الضعيف المتصادم خلال إدارة أوباما. أيضا، بسبب خلفيته التجارية، ترامب قد يحاول ليس فقط رفع بعض العقوبات، ولكن أيضا توسيع التجارة الثنائية، على الرغم أنه من غير المرجح أنه يستطيع تحقيق نتائج دائمة في ذلك. روسيا حاليا ليست حتى من بين قائمة أهم 15 شريك تجاري للولايات المتحدة. لذلك من غير المتوقع تغييرا نوعيا دائم في العلاقات الثنائية لأن هذا يتطلب التغلب على العديد من العقبات الأساسية. واحدة منها هي رغبة الولاياتالمتحدة لمنع روسيا من توسيع وجودها في الشرق الأوسط. واحدة أخرى تتضمن مطالب روسيا لضمانات ملزمة حول توسع الناتو وقيود على أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية – وهما شرطين من الشروط التي وضعتها موسكو مؤخرا لإحياء التعاون الثنائي في مجال الأمن النووي، وكلاهما يتعارضان مع مصالح الولاياتالمتحدة. كما تريد روسيا نسخة جديدة لتوازن القوى على نطاق عالمي، والتي تلعب روسيا فيها دورا مساويا مع الولاياتالمتحدة والصين والاتحاد الأوروبي؛ وواشنطن ليس لديها نية للتنازل من اجل حدوث مثل هذا الترتيب. وفي حين أن تعاون محدود على عدم الانتشار الأسلحة النووية سوف يستمر، من المتوقع أيضا عدم انفراجات في الحد من التسلح. روسيا لن توافق على إجراء تخفيضات في إستراتيجية الترسانات النووية دون فرض قيود في مجال الدفاع الصاروخي الأمريكي. باختصار، فإن ترامب لن يكون قادرا على تجاوز المصالح الإستراتيجية الجوهرية للولايات المتحدة وتحقيق رغبات موسكو حتى لو أراد ذلك. سوف يكون مقيدا في القضايا المذكورة أعلاه وغيرها، حيث العديد من أنظمة الدفاع الصاروخي يتم اعتبارها مصلحة إستراتيجية أمريكية أساسية وبالمثل، فإن الكثيرين في واشنطن يريدون مواصلة محاسبة روسيا عن ما يرونه ضم قسري لشبه جزيرة القرم. وكما أظهرت تجربة جورج دبليو بوش مع بوتين أن العلاقات الشخصية ليست كافية لخلق شراكة متينة، حتى لو تشارك كلا البلدين بعض المصالح القومية الحيوية، مثل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل وكبح جماح الإرهاب الدولي. فالعلاقة المثمرة القوية حقا ببساطة لا يمكن أن تستمر في وجود اختلافات جوهرية وغياب قاعدة اقتصادية متينة. هذه كانت العوامل التي أخرجت على نحو فعال إعادة تعيين العلاقات في 2009 عن مسارها وسوف تستمر في جعل أي تحسينات نوعية على المدى الطويل في العلاقات الثنائية أمر غير مرجح. هافينجتون بوست