لقد اختار الكاتب مصطفي أحمد أبوالمجد، في كتابة روايته الأولي، «حوض الفرنساوي» أن يعيد بناء حقبة من التاريخ في منطقة شديدة الخصوصية بطريقة تجمع بين الواقع والخيال عبر تجربة إنسانية استمد خيوطها من وقائع تاريخية ومنحها بعدا رشيقا في عالم فني أستطاع أن يضفي بخياله متلمسًا أبعادًا مترابطة لشخصيات روايته بهدف خدمة رسالته وقضيته التي سّخر قلمه من أجلها. و«حوض الفرنساوي» هي الساحة التي دارت فيها وقائع معركة خالدة خاضها أهالي قرية سمهود، وهي إحدي القري التابعة لمركز أبو تشت بمحافظة قنا، ضد جنود نابليون، الطغاة أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. عن المؤلف والرواية، وموضوعها والعلاقة بين أحداث التاريخ والحاضر، وغيرها كان نص هذا الحوار: * لم اخترت أن تكتب رواية تاريخية؟ ** في البدء، أشكر لكم هذه المساحة لتسليط الضوء علي رواية «حوض الفرنساوي».. وإجابة علي سؤالك، اقول لك إن الكاتب قد يلجا إلي الكتابة في التاريخ لمخاطبة الحاضر وتجنبا لمخاطره أيضًا.. فالتاريخ يحمل تجارب ونماذج إنسانية ثرية ومتنوعة.. لكن كما تعلم الرواية التاريخية دائما تتناول البعد العاطفي والوجداني الذي تسكت عنه المصادر التاريخية عادة، وتتطرق أيضًا إلي حياة هؤلاء الذين يعيشون في الظل بعيدًا عن الأحداث الكبري، وربما سبب اختياري الرئيسي لكتابة رواية تاريخية هو إبراز ما في هذا التاريخ من مثل عليا وقصص نضال تستنير بها الأجيال لبناء مستقبل زاهر يليق بها.. واستطيع ان أقول لك انني إنسان مريض بحب مصر وتاريخها. * متي بدأت التفكير في كتابة رواية «حوض الفرنساوي»؟ ** الحقيقة أن كتابة رواية أمر يشغلني منذ فترة طويلة، لكن الاستغراق في العمل تسبب في تأخر خروج هذه الرواية إلي النور، حتي شعرت أن كثرة التفكير في هذا الأمر كاد أن يتحول عندي إلي كابوس، وهو ما أجبرني علي ضرورة التخلص منه في يوم من الأيام، وبدأت بالفعل في كتابة هذه الرواية مطلع عام 2019 وانتهيت منها ولله الحمد في أبريل 2020م. * عم تتحدث رواية حوض الفرنساوي.. ولماذا اخترت هذا الأسم؟ ** حوض الفرنساوي رواية تاريخية وطنية حاولت تسليط الضوء علي نضال المصريين عبر التركيز علي بؤرة محلية شديدة الخصوصية في ظرف تاريخي مضطرب، اجتاحت فيه خيول نابليون ومدافعه مصر، بهدف زيادة نفوذها.. أما سبب اختيار هذا الاسم ف «حوض الفرنساوي» هي الموقع الذي أطلقه الأهالي فيما بعد علي الساحة التي دارت فيها وقائع تلك المعركة الخالدة التي خاضها أهالي قرية سمهود بكل جسارة وحكمة و بسالة. * ما سبب اختيارك لكتابة رواية في هذا الإطار المحلي شديد الخصوصية؟ ** هناك عدد كبير من المثقفين والمبدعين كتبوا عن سنوات الحملة الفرنسية الثلاث علي مصر ولكن كل منهم اختار التعبير عنها وفق رؤيته الفكرية والنفسية، بالنسبة لي أنا مؤمن جدا بالتعريف الذي يقول إن الروائي هو الشخص الذي فشل في أن يقطع علاقته مع طفولته، وأنا من هؤلاء الأشخاص، الذين لا يتخلون عن ذاكرة أيام الطفولة بسهولة، لذلك أردت البحث عن تجربة إبداعية جديدة عبر زاوية أخري قريبة مني جغرافيا ولم تأت صفحات التاريخ علي ذكرها كثيرا وهي معركة سمهود حاولت فيها أن استنطق التاريخ بشخوصه وأحداثه عبر بنيان الرواية، تخليدا لذكري صمود وكفاح المصريين ونضالهم ضد الحملة الفرنسية، وأيضا لكي تكون الأجيال الجديدة علي اطلاع بذاكرة أمتها وتاريخها وأبطالها، ويستفيدون منها للحاضر، فالتاريخ كما يقولون أعظم معلم عبر الزمن، ومن لا يهتم بالتاريخ لا هُوية له. * جاء إهداء الرواية في شكل قصة لافتا.. لِمَ أهديت روايتك إلي والدك؟ ** إنني أدين بكل شيء في حياتي لوالدي - رحمه الله - فهو كما قلت بالإهداء كان مستعدًا دائمًا لأن يفني عمره كلّه من أجل ألا يسكن القلقُ أبدًا جسد أبنائه. فهو بالنسبة لي القدوة ورمز الصمود والإصرار. فنعم الإنسان المكافح * كيف استقبل القراء إصدارك الأول؟ ** الحمد لله حظيت رواية «حوض الفرنساوي» عند الكثيرين من القراء بقبول وترحيب، فكما تعلم أن السرد التاريخي يلبي رغبة الإنسان في معرفة ما جري في الماضي، والإنسان دائما لديه ميل غريزي إلي الحنين لهذا الماضي، ربما بسبب ما يعيشه في الحاضر، و القراء عامة لا يقبلون علي قراءة التاريخ إلا إذا كان ممزوجا بالخيال، وهو ما توفره لهم الرواية كفن من فنون الأدب. * يقول النقاد: إن الاتجاه الفكري للروائي والقاص يظهر بشكل أو بآخر داخل سطور روايته.. هل هذا القول حدث معك؟ ** كثيرا ما يختبئ مؤلف الرواية خلف شخصياته أو وراء بعض مواقفها وأفكارها، فالرواية هنا تكون أشبه بالشرفة التي يطل منها الموقف الفكري للروائي علي التاريخ والحاضر. ومن الطبيعي أن يستخدم كل الوسائل والقدرات لتقديم هذا الموقف وتلك الرؤية.. * الرواية تتناول أحداثًا وقعت قبل أكثر من قرنين كيف استطعت أن تنقل للقارئ تلك الفترة بعاداتها وتقاليدها وثقافتها وزخمها الزاخر وبتضاريس المعركة وماجاورها من كواليس؟ ** بالطبع كان عليّ أن أقرأ كثيرًا من كتب المؤرخين الذين تناولوا تلك الفترة بالبحث والتحليل وذلك للإلمام بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية وجغرافيا المكان وعادات البشر في ذاك الوقت، حتي أقوم بمعايشة تلك الفترة ولكي يشعر القارئ انه يعيش هذا الزمن من خلال السرد في الرواية، وهذه القراءات كانت منطلقا لعنصر الخيال في الرواية الذي صنع شخصياتها وبيئتها. * هل روح المقاومة والنضال التي تحدثت عنها في روايتك ما زالت تسري في دماء المصريين حتي اللحظة؟ ** رغم كل ما يحيط بنا، لا أعتقد ان روح المقاومة والنضال تموت أبدا خاصة في بلد مثل مصر يملك إرث حضاري وتاريخي هائل، نعم قد تخبو أو تمرض لكنها لا تموت، وإن كان رجال وأبطال المقاومة يرحلون لكن روحها تظل باقية عصية علي الانحسار أو الانكسار فهي أبية والمصريون يعشقون وطنهم عشقا لأحد حد له * بمن تأثرت من الروائيين.. ومن هم كتابك المفضلون؟ ** قرأت كتبًا متعددة في مجالات متنوعة.. لكن في الأدب استهوتني الرواية أكثر من غيرها من الفنون الأدبية ربما لأنها كانت تشكّل جزءا أكثر التصاقا وعمقا من نفسي وهذه العادة استمرت معي ولم تفارقني علي مدار سنوات رغم ضيق الوقت الذي يضطرني أحيانا كثيرة للانقطاع لكن كلما وجدت فُسحة من الوقت أواصل قراءة الروايات.. فقرأت وتأثرت بكثيرين ممن تركوا بصمة في الأدب فمن الرواد مثل: مصطفي لطفي المنفلوطي وعباس محمود العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ والطيب الصالح وأحمد علي باكثير وجمال الغيطاني وخيري شلبي ومحمد المنسي قنديل ورضوي عاشور وإبراهيم عبد المجيد وبهاء طاهر وحمور زيادة وواسيني الأعرج وأيضا في الأدب العالمي قرأت لدستوفيسكي وتولستوي وفيكتور هوجو، وإدجار الن بو وفولتير ولامرتين أنا أيضا أقرأ للكتاب الشباب، وليس لدي أي إشكال في القراءة. * بعد «حوض الفرنساي» هل تفكر في كتابة روايات أخري؟ ** عندما تُفصح الرواية عن مكانها وزمانها وأحداثها وشخصياتها أذهب فورًا لكتابتها مثلما حدث في رواية «حوض الفرنساوي»،.. ولا أظن أنني سأتردّد متي نادتني شخصيات وأحداث رواية أخري.. نأمل ان يكون ذلك قريبًا، لكن في كل الأحوال من المهم بالنسبة لي أن يشعر القارئ أن الرواية سكنت عقله ونفسه عبر فكرة مختلفة وزاوية أخري، فالعبرة ليس كم رواية كتبت وإنما كم رواية نجحت في أن يكون لها تأثير عميق علي عقل وفهم وتصور القارئ للواقع والحياة والتجارب الإنسانية. * ما النصيحة التي توجهها للشباب الذين يملكون طموحا أدبيا؟ ** القراءة ثم القراءة ثم القراءة، فكلّ الكُتّاب المرموقين، هم قرّاءٌ شغوفون، إضافة إلي التروي والبحث علي الاختلاف والتنوع، وأخيرا الحرص علي الكتابة باستمرار. نبذة عن مؤلف رواية «حوض الفرنساوي» كاتب مصري، من مواليد محافظة قنا 1983 م، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 2003م، عمل في الصحافة وتنقل بين العديد من الصحف