الجيل الجديد من الكتاب السودانيين احتل مكانه الطبيعى وسط الكتاب العرب لا أحاول إرضاء أحد على الإطلاق فالكاتب الحقيقى يكتب ما يشعر به يعتبر الروائى السودانى أمير تاج السر نفسه صاحب مشروع لن يتوقف فى رواية أو روايتين، ومن ثم فقد قرأ كثيرا وجرب كثيرا، ووصل إلى صيغة أرضته فى الكتابة، وهى أن يتلاحم الشعر مع السرد من دون أن يخل بتركيب الحكاية، ويؤكد تاج السر سلاسة المشهد الثقافى السوداني، وأنه مثل أى مشهد ثقافى آخر، مليء بالإشراقات، وأن الأجيال الجديدة من الكتاب السودانيين استطاعت أن تحتل مكانها الطبيعى وسط أجيال الكتاب العرب.
أنت حلمت وأبدعت وسافرت فى دروب الإبداع والمبدعين، ماذا حققت مما حلمت به، وهل من حلم ما زال يراودك فى رحلة الحياة والإبداع؟
منذ أن تركت كتابة الشعر واتجهت للرواية، وأنا أعتبر نفسى صاحب مشروع لن يتوقف فى رواية أو روايتين، ومن ثم قرأت كثيرا وجربت كثيرا، ووصلت إلى صيغة أرضتنى فى الكتابة، وهى أن يتلاحم الشعر مع السرد من دون أن يخل بتركيب الحكاية. كتبت “مهر الصياح” هكذا، وبعدها كل تلك الروايات المعر وفة. لم يكن الأمر حلما بقدر ما كان اجتهادا، وأظننى عثرت على قرائى هنا وفى جهات كثيرة من العالم بفضل الترجمة، ليست لدى أحلام مستقبلية، ولا أحلام أصلا، وإنما أفكار إن استطعت كتابتها، هذا جيد، وإن لم أستطع، يكفى ما قدمته حتى الآن.
إذا عدنا معك إلى البداية الرحلة الأدبية. كيف كانت فترة التكوين وتأثيرها فى تكوين وعى الكاتب لديكم؟
تأسست قارئا فى الأول، قبل أن أعرف الكتابة، وفى سن مبكرة قرأت أشياء كثيرة فى الأدب، ومختلف العلوم، وفى مرحلة بداية الكتابة، أغرمت بأدب أمريكا اللاتينية، خصوصا أدب ماركيز، وكنت أقرأ وأعيد القراءة فى ذلك الأدب، وبعد ذلك كونت طريقتى السحرية الخاصة فى الكتابة، أيضا تأثرت بالأدب الإفريقي، والإسبانى إلى حد ما، وبكتاب عرب رواد، أحببت كتاباتهم.
كيف ترى وتقيم المشهد الثقافى السودانى حاليا؟
لست ملما بالمشهد الثقافى السودانى بطريقة جيدة بسبب سفري، لكن ما يصلني، وما أقرأه وما أشاهده عند زياراتى للسودان، يؤكد سلاسة المشهد، وأنه مثل أى مشهد ثقافى آخر، مليء بالإشراقات. الأجيال الجديدة من الكتاب السودانيين استطاعت أن تحتل مكانها الطبيعى وسط أجيال الكتاب العرب.
لماذا وصفت الرواية بأنها “جرثومة” أو “لوثة” يصاب بها بعض الأشخاص من دون الآخرين؟
كنت أتحدث عن الكتابة عموما وليس الرواية بالتحديد. وبدت لى تشبه الجرثومة المزمنة لأنه لا يمكن تركها أبدا، شخصيا حاولت التوقف مرات عدة ولم أستطع.
ماذا عن روايتك الأخيرة” زهور تأكلها النار”؟ ولماذا اخترت هذا العنوان للرواية؟
هذه رواية تاريخية، استوحيتها من أجواء روايتى “توترات القبطي” التى تتتحدث عن ثورة دينية طائفية، هنا أتحدث عن وضع المرأة الذى انحدرت به تلك الجماعات المتطرفة كثيرا، كانت هناك زهرات يانعات من نساء المدينة، صلتها تلك النار، ولذلك كانت “زهور تأكلها النار”.
هل رواية “ زهور تأكلها النار” تروى الواقع السودانى والعربى بعين المثقف والكاتب؟
يمكن إسقاط الأمر على الوضع الحالي، وقد دأبنا على استخدام التاريخ، فى الحديث عن الحاضر، وهى طريقة تعجبنى فى قراءة ما ينتج بها، وما أكتبه شخصيا داخل هذا الإطار.
إلى أى مدى تتعايش مع بطل روايتك، وهل تضفى عليه بعضا من صفاتك الشخصية؟
ليس فى كل الأعمال يوجد شيء منى داخل النص، هناك بعض الأعمال المعاصرة، تجد فيها ذلك مثل طقس وصائد اليرقات، وما كتبته بوصفه سيرة ذاتية فى سيرة الوجع وقلم زينب، أنا أكتب كل ما يخطر ببالي، وغالبا أعتمد على الخيال فى رسم واقع مواز، قد اقتبس شخصيات من الواقع، لكن أعيد إنتاجها بالخيال، وهكذا كتبت معظم أعمالى أو كلها تقريبا.
هل أدخلت تجديدا على فن الرواية؟
لن أقول أننى أدخلت شيئا جديدا، لأننى لا أعرف حقيقة، كل ما أعرفه أننى كونت بصمتى أى أسلوبى الكتابى الذى يختلف تماما عن أساليب الآخرين، المتتبع لتجربتى وحده من يستطيع معرفة ما قدمته.
صدر لك العديد من الأعمال الروائية الأخرى منها على سبيل المثال روايات “إيبولا 76”، و”سيرة الوجع”، و”العطر الفرنسي”، و”صائد اليرقات”، 366”، وغيرها ماذا طرأ من تغيير على تجربتك الأدبية؟
كلها روايات ذات مواضيع تخصها، روايات عن الحب والمرض والموت والتشرد، والفقر، كل واحدة منها لها ما يميزها، وكل هذه الرواياتر نجحت عربيا وعالميا، إيبولا وصائد اليرقات والعطر الفرنسي، ترجمت للغات كثيرة، وتذوقها الناس، والحديث عن كل تجربة من هذ التجارب، يحتاج لحوار وحده.
هل تسعى لأن تحدث متعة فنية للمتلقي؟
أحاول أن أفعل ذلك، وهذا قد يتحقق عند البعض ولا يتحقق عند البعض الآخر، هناك قراء لا يحبون اللغة الجيدة، وربما لا يفهمونها أصلا، لذلك يتفاعلون بسلبية شديدة.
هل حدث أن تمردت عليك إحدى شخصياتك الروائية وارتأت غير ما ارتأيت ككاتب؟
نعم كثيرا مثل شخصية الرزينة نظر فى مهر الصياح، التى أردتها أن تستمر فى النص، لكنها ماتت باكرا، وشخصية حكيم النبوى كذلك فى العطر الفرنسي.
هل ترى أن الروايات العربية الحديثة والمعاصرة نجحت فى تجسيد مشكلات المجتمعات العربية خصوصا تلك المتعلقة بالموروثات الثقافية والفكرية؟
كثيرون وفى كل البلاد العربية كتبوا عن مشكلاتنا بإخلاص كبير، منهم روائيون كبار وآخرون فى البدايات، لكن عموما يبدو الجهد واضحا، هناك أسماء عديدة طبعا، وصعب ذكر أسماء محددة.
من أين تستقى شخصيات رواياتك؟
من الواقع، ومن ما أصادفه خلال وجودى فى الحياة، شخصيات يومية كثيرة تعبر بي، وبعضها قد يوحى بالكتابة، لكن بالطبع ليس كل شخصية موحية.
هل تحاول من خلال كتاباتك ورواياتك إرضاء القارئ؟
لا أحاول إرضاء أحد على الإطلاق، الكاتب الحقيقى يكتب ما يحس به جديرا بالقراءة، ولا يهتم بالذى يقرأ من الذى لا يقرأ، لكن شخصيا لدى قراء ثابتون ينتظرون أعمالي، ولدى قراء عابرون أيضا لم يتآلفوا مع التجربة.
ما العامل المشترك فى أعمالك الأدبية؟
الأسلوب واللغة كما أعتقد، فحين يكون لأحد أسلوب معين، تجده فى كل أعماله، فقط تختلف الأفكار من نص لآخر.
فى رأيك هل أثرت ثورات الربيع العربى على النتاج الإبداعى.. وهل نجح المبدعون فى التعبير عنها أدبيا؟
طبعا هناك نصوص كثيرة تصدت لثورات الربيع العربي، ومنها من أجاد كتابها، والعكس، ودائما ما أقول إن الوقت ما زال مبكرا لكتابة نص ناجح جدا عن ذلك الانقلاب الكبير فى الحياة السياسية العربية.
هناك من يرى أن هذه الثورات العربية كشفت فشل النخبة المثقفة وتراجعها عن أداء دورها. ما رأيك؟
النخبة المثقفة ليس لها دور منذ زمن طويل كما أعتقد، لم يعد هناك ما يسمى بالمثقف التنويري، الآن التنوير يقوده المواطن البسيط.
أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا قادما أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟
نظريا ممكن جدا، أما عمليا على أرض الواقع، فلا أعرف ولا أستطيع التكهن، فى الكتابة.
هل ترى أن الإبداع الروائي، سواء ما كتبه رجل أو امرأة مرهون بتحقيق شروط معينة، أم أن لكل تجربة ظروفها وشكلها الخاصين؟
لكل تجربة صيغتها وظروف كتابتها، أنا لا أهتم بالنظريات، وأكتب فقط، ودائما فى عراك مع الذين يوردون نظريات باختين ورولاند بارت بين كل سطر وآخر.
هل هنالك روايات عربية استطاعت الانفلات من التقاليد الأوروبية فى الكتابة؟
لم يخطر ببالى البحث فى هذا الأمر، الرواية الأوروبية سابقة لنا لكننا نكتب عن مجتمعاتنا وبأسلوبنا الخاص، وهذا فى حد ذاته اختلاف عن الغرب، بمعنى أن المحلية عندنا تنتج أدبا مغايرا.
هل أصبح النص الروائى العربى المعاصر متمرداً على قواعد الكتابة الكلاسيكية ملائماً لما يعيشه العالم العربى اليوم؟
هذا وذاك، هناك نصوص كلاسيكية لا تزال تكتب إلى اليوم، ونصوص تجريبية بعضها ناجح وبعضها غير ناجح، المهم هو أن الكتابة العربية مستمرة، وتحقق ذاتها.
ما التطور الأبرز الذى تلاحظه فى تقنيات السرد فى الرواية العربية؟ تعدد الرواة وتداخل الأزمنة، هذا أسلوب جيد للكتابة به، وقد استخدمته فى بعض أعمالي.
ما المشكلات التى يتعرض لها الكاتب والروائى فى البلاد العربية؟
كثيرة، أهمها الإشكالات مع دولته ومجتمعه حين يكتب عن أشياء يراها المجتمع تعرية له، لذلك لن تجد أبدا سيرة ذاتية عربية صادقة، فلا بد من غسل السيرة جيدا قبل نشرها.
برأيك ما المعوقات التى تحول دون عالمية الأدب العربي، رغم محاولات الترجمة التى ظلت فى حدود ضيقة من حيث الانتشار برغم أنه ترجم لك العديد من الأعمال لعده لغات؟
أعمالى بعضها نجح وبعضها لم ينجح عالميا، وطبعا ليس كل ما يترجم يصل للعالم بطريقة جيدة، هناك عدم اهتمام بالأدب العربي، وتصغير لشأنه، ولا توجد دعاية كافية تلغى ذلك التصغير، وعدم الاهتمام، وتضع الأدب العربى فى مكانة لائقة مع آداب الشعوب الأخرى.
حصلت على العديد من الجوائز ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ وهل تشكل دليلا على إبداعية المنتج الأدبي؟
الجوائز مهمة جدا، هى الحافز الذى يتكئ عليه الكاتب، لكن لا ينبغى أن كون غاية يسعى إليها، بمعنى أن يكتب المبدع وإن حصل على جائزة، لا بأس.
كيف تنظر للعالمية وما يقولونه عنها؟ وما ينتج عن الجوائز العالمية المعروفة ضرورتها للكاتب، والسعى إليها؟
ليست من أولوياتي، على الرغم من أن لى روايات وصلت القائمة الطويلة فى جوائز عالمية، الأهم عندى هو الكتابة لقرائى بالعربية. هل ثمة مشروع روائى جديد تشتغل عليه حالياً؟ أنجزت رواية تاريخية أخيرا، لم تنشر بعد.