هو أحد أهم الآباء المجددين في الموسيقي العربية بجدارة حيث ما زالت ألحانه الرائعة ترددها الألسن منذ عشرات السنين إلي اليوم، فمن منا لا يعشق "رق الحبيب" أو "ما دام تحب بتنكر ليه" لأم كلثوم، أو "إمتي هتعرف" لأسمهان، وغيرها العشرات من الأغاني لكبار مطربات ومطربي عصره؟ عن الموسيقار الكبير محمد القصبجي أتحدث ونحن نحتفي بالذكري الخامسة والخمسين لوفاته (23 مارس 1966م) بعد مشوار حافل بالإبداع أهلّه لأن يقال عنه إنه "زعيم التجديد في الموسيقي المصرية". شاء القدر أن تكون سنة ميلاد القصبجي 1892م هي نفس سنة ميلاد مجدد عظيم آخر هو سيد درويش، ونشأ علي حب الموسيقي حيث كان والده أحمد القصبجي مدرسا وملحنا، والتحق صغيرا بالأزهر الشريف ثم تخرج في مدرسة دار المعلمين حيث عمل لفترة بالتدريس إلي أن تركه ليتفرغ للموسيقي التي عشقها حتي النخاع. قام القصبجي بغناء الأدوار القديمة بالحفلات الساهرة مزاملا لمطربي عصره: عبد اللطيف البنا، أحمد فريد، صالح عبد الحي، ، وزكي مراد (والد الفنانة ليلي مراد)، والذي قدّم له القصبجي أول ألحانه "ما ليش مليك في القلب غيرك"، وكانت من نظم القصبجي نفسه. ولا يعلم الكثيرون أن القصبجي هو الذي علّم الموسيقار محمد عبد الوهاب العزف علي العود، وكان الأخير يكبر القصبجي دائما معترفا بفضله علي الموسيقي العربية كمجدد عظيم. في عام 1924م، قدّم القصبجي لكوكب الشرق أم كلثوم أول ألحانه لها بعنوان "آل إيه حلف مايكلمنيش" وظل منذ ذلك التاريخ يعاونها لآخر يوم في حياته، كما يُنسب إليه فضل التجديد في المونولوج الغنائي بداية من "إن كنت اسامح وأنسي الآسية" إلي "رق الحبيب" غناء كوكب الشرق أم كلثوم، والتي قدّم لها نحو 72 أغنية بعضها مفقود، ومن أشهرها: "يا صباح الخير ياللي معانا"، "نورك يا ست الكل"، "عطف حبيبي"، "ليه تلاوعيني"، "أحبك وإنت مش داري"، وغيرها. ونظرا للعلاقة الفنية والإنسانية العميقة التي ربطته بأم كلثوم، ارتضي القصبجي أن يكون عازفا للعود في فرقتها الموسيقة، وهو ما أكبرته كوكب الشرق كثيرا للقصبجي حتي أنها جعلت كرسيه خاليا في كل حفلاتها منذ وفاته حتي نهاية الستينيات. كما قدم القصبجي عشرات الألحان للسينما المصرية علي مدار 50 عاما، كما قدّم للمسرح الغنائي الكثير حيث قدّم لمنيرة المهدية مسرحيات: المظلومة - كيد النسا- حياة النفوس- حرم المفتش، وثلاثة ألحان لنجيب الريحاني في أوبريت "نجمة الصباح"، فضلا عن الفصل الأول من "أوبرا عايدة" في فيلم "عايدة" لأم كلثوم. ومن أبرز مظاهر التجديد الموسيقي لدي القصبجي، تقديمه أعمالا سابقة لعصرها في الأسلوب والتكنيك، كما أضاف للموسيقي الشرقية ألوانا من الإيقاعات الجديدة والألحان سريعة الحركة والجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال، والتي تتطلب عازفين مهرة علي دراية بأسرار العلوم الموسيقبة، كذلك أضاف بعض الآلات الغربية إلي التخت الشرقي، مثل آلتيْ: التشيللو، والكونترباص. رحم الله محمد القصبجي.