أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن قضية الحوار بين الأفراد والمؤسسات تعادلها قضية التفاوض بين الدول، والثانية خاصة وتتعلق بفهم أبجديات الحوار، فالحوار علي زنة فِعال، والمحاورة علي زنة مُفاعلة، يقتضيان المشاركة، ولا يقعان من طرف واحد، يقال: تحاور محمد وعلي، أو توافقا، أو تشاركا، أو تطاوعا، أي حاور، أو وافق، أو شارك، أو طاوع كل منهما صاحبه، ولا يُتصوَّر أن يحاور الإنسان نفسه. وأضاف خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حوار الأديان والثقافات المنعقد بالقاهرة بحضور 31 وزيرا ومفتيا قائلا: فالحوار يقتضي أن تُعامل الآخر بما تحب أن يُعاملك به، وأن تنصت إليه قدر ما تحب أن ينصت إليك، وأن تأخذ إليه الخطوات التي تنتظر منه أن يخطوها نحوك، وإلا فحاور نفسك، واسمع صوت نفسك، ولا تنتظر أن يسمع الآخرون صوتك. وأكد ان الحوار البناء هو الذي يهدف إلي التفاهم والتلاقي علي مساحات مشتركة، وأهداف إنسانية عامة لا تمييز فيها علي أساس الدين أو اللون، أو الجنس، أو القبيلة، فتحقيق المواطنة لا يقتضي التعايش بين أصحاب الديانات المختلفة فحسب وإنما يقتضي أيضًا إعطاء الجميع نفس الحقوق والفرص وفي مقدمة ذلك الاهتمام بالمرأة. الحوار البناء يتطلب إنصاف الآخر، فإنصاف الآخر هو منهج القرآن الكريم قال تعالي: "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَي هُدًي أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ"، فالدين قائم علي إنصاف الآخر، ويعني تسامح كل طرف عن بعض ما يراه حقا له، ليتسامح له الآخر في بعض ما يراه حقًا. وأشار إلي أن الحوار البناء لا يجعل من المتغيرات ثوابت، ولا من الثوابت متغيرات، فمن جهة لا يفرط في ثوابتنا العقدية، ومن جهة أخري لا يقدس غير المقدس ولا يعرف التعصب الأعمي، ولا يرمي الناس بالإفك والبهتان ولا يقابل الحجة بغير الحجة. وأوضح ان من أبجديات الحوار حسن الاستماع للآخر، وعدم مقاطعته، أو إبداء عدم الرغبة في سماعه، أو التأفف من كلامه، أو الإشاحة في وجهه، أو إظهار التبرم منه غمزًا، أو لمزًا، أو تهكمًا، أو حتي تبسمًا ساخرًا ينم عن عدم تقدير المحاور، أو إظهار عدم الاقتناع بما يقول تهوينًا لشأنه، ناهيك عن ارتفاع الصوت واشتداد الصخب والجلبة، فضلا عن سوء الأدب في الحوار والخروج عن الموضوعي إلي الشخصي. وتابع: كل ذلك شيء والحوار شيء آخر، ألم يقل الحق سبحانه وتعالي لسيدنا موسي وهارون (عليهما السلام): "اذْهَبَا إِلَي فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَي * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَي"، فأمرهما الحق سبحانه وتعالي أن يقابلا طغيان فرعون بالحكمة والموعظة الحسنة، والقول اللين الحسن، وألا يقابل طغيانه وجبروته بمثل فعله أو لغته. واستطرد: انظر إلي أدب أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم (عليه السلام) في محاورته لوالده، حيث يقول والده: "لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا"، فيجيبه سيدنا إبراهيم (عليه السلام) في غاية البر والأدب: "سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا"، وفي الحوار الذي دار بينه وبين نمرود بن كنعان كما حكي القرآن الكريم علي لسانه: "قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ "، وهنا لم يرد عليه سيدنا إبراهيم (عليه السلام) بالنفي المباشر، إنما انتقل إلي أمر آخر قائلًا: "فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ"، وكأنه يقول له إن كنت تحيي وتميت حقًا كما تقول فأت بالشمس من المغرب بدل المشرق، فبهت الذي كفر. وإن أخطر ما يعوق الحوار أمران هما: الأدلجة والنفعية، فأما الأدلجة فإن العالم أو الكاتب أو المحاور المؤدلج تحمله عصبيته العمياء للجماعة التي ينتمي إليها إما علي عدم رؤية الحق، وإما علي التعامي عنه، إذ يمكن لأحدهم أن يحاورك أو يجادلك أو يقبل نقاشك في مفهوم آية من كتاب الله (عز وجل) أو حديث صحيح من سنة سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، ولا يقبل منك أن تحاوره أو تناقشه أو تراجعه في كلام مرشده المقدس لديه. وأما النفعيون والمتاجرون بالأديان والقيم والمبادئ فلا يدافعون أبدًا عن الحق، ولا ينتظر منهم ذلك، إنما يدافعون عن مصالحهم ومنافعهم فحسب ولا شيء آخر.