إلى جانب اعجابه الشديد بمصطفى صادق الرافعى.. كان سيد قطب أحد تلاميذ العقاد.. وقد حاول أن ينهج نهجه، ويسير على دربه، فعالج الشعر، ومارس النقد الأدبى.. وله فى ذلك ثلاثة دواوين.. وعدة كتب فى النقد الأدبى.. وقد تحول بعدها وخلال أعوام 47، 48، 1949 إلى الكتابة فى مجالات الاسلام.. وقد استواه منها جانبان، الأول: الناحية الأدبية والفنية والجمالية فى القرآن.. والثانى: هو التأكيد على التوجه الاشتراكى فى الاسلام.. وفى هذه الفترة شكل مع الشيخ «صادق عرجون» وغيره «جمعية التاريخ» التى كان من أهدافها إعادة كتابة التاريخ الاسلامى.. إلا أنها لم تستمر طويلاً.. ثم كانت سنوات الصراع والكفاح الشعبى ضد الاحتلال الانجليزى والسراى.. وخلالها كتب سيد قطب عدة مقالات عالية النبرة فى مجلات: اللواء الجديد، والاشتراكية، والدعوة، والكاتب.. ثم كانت بعثته إلى أمريكا لمدة عامين وهى التى كان لها تأثيراتها العميقة عليه وعلى انتاجه وتوجهاته.. وكما تقدم فقد التحق سيد بركب ثورة يوليو 1952.. وهيئة التحرير.. ولسبب أو آخر قدم استقالته.. وأعلن انضمامه رسميًا للإخوان عام 1953، ليصبح خلال عام واحد رئيسًا لقسم نشر الدعوة، ورئيسًا لتحرير جريدة «الإخوان المسلمون». وعندما تأزمت الأمور بين ثورة يوليو والإخوان سخر القسم والجريدة لمناصرة الإخوان بالطبع.. ثم انخرط بكليته فى الجهاز السرى الذى كان يرأسه وقتها يوسف طلعت.. كان سيد قطب يقوم بالتغذية الفكرية وإشعال الحقد الأسود ضد الثورة».. وقد تولى الاشراف على المجلة السرية التى كانت تصدر باسم «الإخوان فى المعركة»، وهو الذى كتب نقد المعاهدة التى أبرمها جمال عبدالناصر وقادة الثورة لاجلاء القوات البريطانية تحت عنوان «هذه المعاهدة لن تمر».. وظل يتابع عمله التحريضى حتى أواخر اكتوبر عام 1954 عندما وقعت محاولة اغتيال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية، فتم حل الإخوان.. وقبض عليه مع قادة الإخوان وزعماء الجهاز السرى.. وصدر الحكم عليه فى مارس 1954 بالاشغال الشاقة لمدة 15 سنة. يقول اللواء فؤاد علام «تم ترحيل سيد قطب بعد الحكم عليه إلى ليمان طرة، ونظرًا لحالته الصحية، فقد وضع بمستشفى ليمان طرة من أول يوم دخل فيه السجن.. وفى هذه الفترة كان يقضى وقته فى مستشفى الليمان بين القراءة والتأليف، وكان يكتب فى ذلك الوقت بقية أجزاء كتابه «فى ظلال القرآن» كما كان يقوم بالاتصال ببعض الإخوان المحكوم عليهم فى ليمان طرة والذين كانوا يترددون عليه للزيارة أو للعلاج».. وفى مذكراته عن فترة السجن كتب د. عبدالعزيز كامل: «وكان معنا الأستاذ سيد قطب، أمضى وقته فى المستشفى، وكان فى مطالع كتابته «فى ظلال القرآن» الذى بدأ نشره فى مجلة «المسلمون» التى كان يصدرها فى الخارج الأستاذ سعيد رمضان، كنت أراه أحيانًا حين تتاح لى فرصة الخروج من المعتقل إلى المستشفى، وكان أحيانًا يأتى إلى زيارتنا حين تسنح له الفرصة.. نهاره كله فى القراءة والكتابة أذكره وتفسير ابن كثير غير بعيد من يده، وقلمه الحبر الأسود فى يده، وأوراق يكتب فيها بخط واضح، وسطور منتظمة، وتخرج من يده فى طريقها بعد هذا إلى المطبعة. ويكتب د. رفعت السعيد فى «التيارات السياسية فى مصر رؤية نقدية» أن «سيد قطب قد عومل معاملة مثيرة للدهشة من فرط تميزها، فقد قضى أغلب فترات سجنه فى مستشفى سجن طرة، فى حين أنه لم يكن المريض الوحيد الذى يستحق ذلك، وفيما كانت الأدوات الكتابية ممنوعة بشكل حاسم، اتيح له هو وحده أن يكتب فى السجن تفسيره للقرآن الكريم بمجلداته المتعددة بما يحتاجه ذلك من مراجع عديدة وأوراق وأقلام وكلها كانت ممنوعة، بل وأخرجت أصول هذا التفسير من السجن لتطبع حتى وهو فى السجن، وهو أمر غير مسبوق. كما كان سيد قطب هو الوحيد من السجناء السياسيين الذى صدر ضده حكم ثم افرج عنه بعفو صحى، والمثير للدهشة أنه ما أن افرج عنه حتى بادر وعلى الفور بإعادة تأسيس الجماعة من جديد على أساس كتابه «معالم فى الطريق» وبدأ فى الاعداد لحملة تفجيرات واغتيالات منها اغتيال جمال عبدالناصر.. ثم كان ما كان». ومن الواضح أن وجود سيد قطب فى مستشفى سجن طرة كان بمثابة مركز الاتصالات حيث يتوافد على المستشفى مرضى من جميع سجون مصر.. وكان الإخوان منهم وبطريقتهم الخاصة يزورون سيد قطب يوميًا تقريبًا، ويناقشونه فى كل أمورهم.. خاصة فى مجموعة الأفكار الجديدة التى بدأ يكتب فيها متأثرًا فى ذلك بما كتبه «أبوالأعلى المودودى».. وكان فى ذلك الوقت قد بدأ يبلور أفكاره لإعداد كتابه الجديد والمثير «معالم فى الطريق».. وقد لوحظ عليه فى الفترة المتأخرة من سجنه ميل إلى العنف، والتحريض على المواقف الحادة داخل السجون، والدخول مع ادارات السجون فى مواجهات عنيفة مهما كان لذلك من ضحايا.. وكان يرى أن فى ذلك علامة على حيوية الجماعة رغم حلها وقيامها فى داخل السجون، وقد ترتب على ذلك مصادمات بين المحكوم عليهم وإدارات السجون.. وفى تلك الفترة بدأ البعض من المحكوم عليهم بالسجن من أعضاء الإخوان يناقشون أمور الجماعة المنحلة وأمورهم.. وأساسًا قيادات الجماعة وسياستها العامة.. بدأوا يناقشون مشروعية الجهاز السرى، وازدواجية القيادة.. وحكاية البيعة.. وفريضة السمع والطاعة فى المنشط والمكره.. وامتد النقاش فلم يترك شاردة ولا واردة بالنسبة للجماعة إلا وقد طرحها للنقاش.. وقد ازعج ذلك سيد قطب.. ونهى عنه.. ودخل فى حوارات مطولة مع دعاة الحوار والمراجعة.. وبذل جهدًا لايجاد المبررات لكل ما هو قائم ولكل ما جرى.. وما زلنا مع سيد قطب.