كان غريبا أن تبادر إحدي القنوات الفضائية التركية الرسمية بنشر خريطة تعرض لحدود تركيا في عام 2050، والتي تؤكد بجلاء امتداد النفوذ التركي ليشمل عددا كبيرا من الدول العربية والأفريقية والآسيوية والأوروبية وامتدادا للأراضي الروسية وكأنها تعيد وتستدعي صياغة المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية قبل مائة عام. الجدير بالذكر أن ما نشرته القناة التركية الرسمية عبر هذه الخريطة جاء ترجمة لكتاب الباحث الأمريكي (جورج فريدمان) مؤسس مركز ستراتفور للأبحاث الأمريكي الذي نشر قبل نحو اثني عشر عاما، ويحمل توقعات الباحث حول ما يمكن أن يصل إليه امتداد النفوذ التركي في عام 2050 ليشمل عددا من الدول العربية والآسيوية والأفريقية والأوروبية. بل ويمتد إلي أجزاء من الأراضي الروسية كشبه جزيرة القرم وكوبان ومنطقة روستوف وجمهوريات شمال القوقاز. وكأني بتركيا أردوغان قد تعمدت اليوم وسط ما يجري من ملابسات وأحداث في العالم أن تسلط الأضواء علي ما يمكن أن تكون عليه حدودها في عام 2050، أي بعد تسعة وعشرين عاما من الآن خلال بسط وجودها في كل هذا المحيط الدولي. ولا شك أن نشر القناة التركية لتلك الخريطة وعرضها لهذا المحتوي إنما يأتي ليتناغم مع الأوهام المريضة لأردوغان الرامية إلي التوسع الجغرافي ليسير علي نفس المنحي الذي سار عليه الأجداد العثمانيون، واستعادة ما يعتبره حقوقا لتركيا سلبتها منها اتفاقية (لوزان) عام 1923 التي أنهت الدولة العثمانية وحددت الخريطة الجغرافية الحالية لتركيا. يشهد علي هذا تصريحات الحالم أردوغان، وهي التصريحات التي لطالما دعت إلي ممارسة نفوذ تركي مباشر علي السكان من ذوي الأصول التركية الذين يعيشون في أكثر من دولة عربية وآسيوية وافريقية. وكان أن قام أردوغان بترجمة هذا علي أرض الواقع عندما تدخل في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من الدول في المنطقة، وقام باستغلال التطورات السياسية للترويج لتركيا الكبري ذات الامتدادات الإقليمية والبحرية تأسيسا علي دعوة مغلوطة تتحدث عن أن من حق تركيا مد نفوذها في البحار التي كانت تحت النفوذ العثماني كشرق المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب. إنها الرسالة التي بعثت بها خريطة الوهم التي توجتها مؤخرا إحدي القنوات التركية الرسمية. أما مضمون الرسالة فيشير إلي أن الحدود التركية الحالية ليست نهائية، وأن المهمة الرئيسية اليوم وغدا هي استعادة أمجاد الماضي، مع تسليط الضوء في الوقت نفسه علي قدرة تركيا علي إعادة إحياء الخلافة العثمانية لتكتمل المهمة بحلول عام 2050. أرادت تركيا أردوغان بنشرخريطة الوهم هذه التذكير بموقع تركيا اليوم في العالم، والامتداد الجغرافي الذي يمكن لها تحقيقه والذي سيعني نجاحها في استعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية من جديد.وبالتالي فإن ما نشرته القناة الفضائية التركية جاء ترجمة لتطلعات أردوغان المريض بالوهم والذي ما فتأ يسعي إلي تحقيقها عبر السياسات التي اعتنقها، والتي تعكس أحلامه في العودة إلي حقبة الاستعمار البائد وفرض السيطرة والهيمنة علي أراضي الغير، ونهب الموارد.ونتساءل: إلي متي يمضي هذا المأفون في تطلعاته؟ وألا يوجد سبيل لوأد أطماعه وسياساته ومراوغاته التي اجترأ من خلالها علي الجميع؟.. . وللحديث بقية