لاشك وأم سطوة السوشيال ميديا قد بلغت مداها ،وكلنا يعلم كيف أثر تفجير قضية أو تسليط الضوء على حالة إنسانية،على الاهتمام بتلك الحالة والتفات المسئولين والجهات المعنية ومحاولة تقديم يد العون والمساعدة لها. خلال السنوات القليلة الماضية كانت الشواهد عديدة لحالات لم تكن الجهات المعنية تعلم عن معاناتهم شيئا ولكن تداول مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعي لهم كان له أثر بالغ على ايصال صوتهم ومعاناتهم ومن ثم حل مشكلاتهم،ومؤخرا وبعد إعلان نتائج الثانوية العام هذا العام ،أبرزت السوشيال ميديا نماذج مثل بائع الفريسكا وأبنة الحارس وبائعة الاحذية الذين تفوقوا والتحقوا جميعا بكلية الطب ،وكان لتسليط الضوء على حالاتهم الاجتماعية الفضل فى الاهتمام بهم ومساعدتهم من خلال اعفائهم من المصروفات الدراسية،وتبرع أهل الخيرلهم بتحمل باقي النفقات. نعم تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا فى كشف معاناة بعض النماذج التى تحتاج للمساعدة بالفعل،وهو الدور الذى كانت تلعبه الصحف الورقية فيما قبل من خلال تخصيص مساحة لشكاوي وهموم القراء،والتى كانت الوسيلة الوحيدة للوصول الى المسئولين وحل هذه المشكلة أو تلك،ولكن مع الثورة التكنولوجية أصبح تداول المعلومة سريع ولحظى،وأصبحت المشاركة متاحة للجميع ،بل أن وسائل الاعلام نفسها أصبحت تلهث وراء أخبارصفحات الفيس بوك و تويتر،وبعضها يعتبرها مصدرا للمعلومات،فيلتقط الخبر ويسارع فى عمل حكاية عنه لجذب المزيد من المتابعين،وهو ماكان واضحا مع السيدة التى سارعت لدفع ثمن التذكرة لأحد المجندين والتى عرفت بسيدة القطار،بعد إصرار المحصل على تحصيل قيمة التذكرة كاملة منه ،وضربت مثلا فى الشهامة والعطاء،وكانت حديث وسائل الاعلام لعدة أيام . "الترند"لفظ أصبحنا نسمعه كثيرا وهو ببساطة يعني التركيز على معلومة بعينها وزيادة نسب مشاركته بين رواد السوشيال ميديا ،وبالتالي فإن الوسيلة الاعلامية التى تصل الى هذا المستوي تكون قد ققت شهرة واسعة دون باقي الوسائل. نتأتي هنا الى الغرض المطلوب من تناول الموضوع وهو التحقق من صحة مايتداول على وسائل التواصل الاجتماعي،والذى يبدو أن هوس "الترند"قد جعل البعض يتناسي هذا الأمر أو يتجاهله والمهم الشهرة وفقط،لايهم هنا المصداقية وأن يحقق النشر الهدف المقصود من أثارته،وفى هذا السياق يحضرني واقعتين حدثتا خلال الشهر الماضي،أولهما كانت تخص ماسمي ب"سيدة المطر" ،حيث التقط أحد المصورين فى موقع شهير هذ الصورة لسيدة تجلس وسط مياه الامطارتبيع الترمس،ولاقت الصورة فور نشرها تعاطفا شديدا من الجمهور،فالسيدة العجوز لن يجبرها على الجلوس وسط الامطار الا الاحتياج الشديد. على الفور اهتمت وزارة التضامن الاجتماعي بالأمر وأرسلت فريق لأصطحابها والكشف عليها وتقديم كل الدعم والمساعدة لها،كل ذلك جهد مشكورنتمني أن ينال كل محتاج مثله،ولكن المؤسف هو مانشر بعد ذلك من أن السيدة تملك منزلافى محافظة بنى سويف وأن حالتها ليست بالصورة التى تم تداولها. الحدث الثاني كان عن الطفل الذى صادفه احد المذيعين يبيع الليمون أمام احد الاماكن المخصصة لأستراحة المسافرين على طريق مصر الاسكندرية الصحراوي ،وهو ماعرف بطفل الليمون،الذى تهافتت عليه وسائل الاعلام واستضافته فى برامجها لتضرب مثلا على الكفاح،بينما كانت نصف المعلومات التى قالها الطفل ليست صحيحة على الاطلاق،وتبين أن جدته ترعاه وان الاطفال الذين يعيشون معه هم ابناء اخيه،وان جدته لديها سيارة نصف نقل تستخدمها فى أعمال تجارية،وهو الامر الذى جعل المذيع نفسه يعاتب الطفل فى فيديو اخر،ويحاول التغلب على خجله من هذه الضجة التى احدثها بمعلومات ليست دقيقة. البحث عن البسطاء والمحتاجين وتسليط الضوء عليهم أمر رائع وهدف انساني نبيل،ولكن الترويج لمعلومات ليست دقيقة هو مايفقد الوسيلة الاعلامية مصداقيتها..نتمني أن نستغل الاحداث فيما يفيد الناس وليس مايضرهم ويحقق نتائج عكسية.