(1) صديقي الشاعر ناصر دويدار كتب لي: ' سيد حجاب اللى فاضل لنا فى كرامة الشعر.. ده سيد حجاب مدهش وحتى دماغه ماتكتبش ده.. عمرنا ماحنبيع.. ولا عندنا حاجه تتباع.. وحنفضل قابضين على جمرة الشعر.. وحنفضل نتألم.. ومش حنقع.. مفيش رسول فنان.. يتخاف عليه' . كان ذلك ردا على محاولات التشويه التي حاولت كتائب الإخوان الاليكترونية أن تفعلها مع الشاعر الكبير وتتهمه أنه كان شاعرا للسلطة ولمبارك وألصقوا به الأغنية الشهيرة 'اخترناه' التي كتبها الراحل عبدالسلام أمين وقالوا إنها من تأليف حجاب. محاولة رخيصة لكنها مضت وفضحتهم وشردتهم فيما اشتدت الذاكرة بأشعار حجاب: يا مصري ليه دنياك لخابيط والغلب محيط والعنكبوت عشش ع الحيط وسرح ع الغيط يا مصري قوم هش الوطاويط ... كفياك تبليط صعبة الحياة والحل بسيط ... حبة تخطيط (2) الجميع في اعتصام وزارة الثقافة تقمصتهم البلاد، ولا وقت لأن يكون أحد رهينة للخوف أو الخراب. بين التفاصيل نتكئ على الأمل، ونحاول ألا تفر الطرق من أمامنا. (3) لا أشعر برغبة بالكتابة. لا عن أحوال البلاد، وضيق فضائها ووجوه الناس المكسورة في شوارعها، ولا عن الخراب العظيم الذي يتحدث عنه الجميع وكأنهم يحتفلون بالخيبات واحتضار الأحلام، ولا عن أحوالي وحيز الحرية الصغير، ولا حتى الكتابة إليك بجاذبيتك الفريدة وطريقتك في العصف برأسي، فجأة فقدت الكلمات وتتبعي العاطفي لما يجري من حولي. على قاب قوسين أو أدنى من الصمود على أمنياتي الساذجة، أحاول أن أكون باقية على خطي الخاص في الارتجال لرسم خطوط السعادة الحقيقية. المشهد السياسي حولي عبثي وهيستيري ولا خلاص منه يلوح في الأفق، وأنا تعبت أصلا من الكلام المعطوب عن هذا الخلاص، وأحاول أن أحافظ على ثباتي معك وإلا سأكون سجلت الرقم الأكبر في الهزائم. على شاشات التليفزيون أمامي الأحداث كثيرة والأسئلة أكثر، وبريق الكتابة يخفت. سيدة مصرية متشحة بالسواد تصرخ 'حرام'، شاب سوري يقتل، أتابع عملية القتل البطيء على خلفية من صور متتالية لرجال الذقون والجلابيب والسلاح يشكلون المصير، طفل عراقي على هامش 'الكادر' وسط كومة من الأخبار العراقية الخاصة يشرد بعينيه إلى اللاشيء. لم تعد الشوارع آمنة. جملة أمي اليومية، وهي تنهاني عن التأخير، ومع ذلك أقرر الخروج لكي أصنع لحظتي الخاصة، فنهار بلون واحد لا يحتمل، ولابد من وسيلة أخرى تنهانا عن الأسئلة اليائسة. أفتح باب الخروج وصوت مارسيل خليفة يعلو: ' ونحن نحبّ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلا ونرقص بين شهيدين. نرفع مئذنةً للبنفسج بينهما أو نخيلا' ...