أن تري الحقيقة واضحة وضوح الشمس ثم تقول انها مجرد أكاذيب، فذلك هو الزيف بعينه، وأن تسمع شكوي المتعبين ثم تتجاهل وتصم أذنيك، فذلك هو الجهل بعينه، وأن تطربك كلمات المديح في شخصك وفي حكمتك التي بلغت مبلغا لم يبلغه احدا من قبل، فذلك هو الفشل بعينه، وأن تري بعيون مؤيديك وتتناسي كلمات معارضيك، فذلك هو أبلغ صور الانهيار.. تلك كانت أطلالة أولية علي المشهد العام في مصر. الآن تجد أناسا ممن نصبوا أنفسهم ولاة أمور'الشعب'وحماة حمي 'الجماعة' ممن لايعنيهم من الصالح العام سوي مصالحهم الشخصية، وفي سبيل تبييض وجه الجماعة والنظام معا تجدهم يسوقون المبررات لكثير من الخيبات والاخفاقات المتتالية، لدرجة يمكن معها لي الحقائق وقلب الصور، فإنقطاع التيار الكهربائي يعود الي اسراف المواطنين وسوء الاستخدام، والانفلات الامني الذي تسبب في السطو علي المحطات، ونقص البنزين والسولار سببه وجود مافيا تتحكم في السوق.. الي أخره من مبررات لاتنطلق من أسس علمية، ولكنها في كثير من الاحيان تصبح مادة ثرية للضحكك والفكاهة بين مستخدمي الفيس بوك. هذه الحالة من التجاهل لهموم ومشكلات رجل الشارع هي مادفعت الكثير من البسطاء الي الجهر علانية برفضهم للنظام الحالي واعلان رغبتهم في الخروج يوم 30 يونيه، وتستطيع أن تلمس حالة الرفض أثناء تعاملاتك اليومية، فمن أكتوي بنار الاسعار ولايستطيع تدبير أحتياجات أسرته في ظل حالة من التضخم وأنفلات الاسعار، لايعرف لغة أخري يتحدث بها سوي لغة الرفض. ومن تعطلت مصالحه بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، لايمكن أن نطلب منه المزيد من القدرة علي التحمل، ومن فقد عمله بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية، لن يستمع الي اية تبريرات، ولن يسمع سوي لغة واحدة، فالامر عندما يتعلق بلقمة العيش، فلا مجال لحوار العقل والمنطق. الغريب ان كل مايقال عن أزمات المواطن لاتجد أذانا صاغية بل تجاهل وتناسي منقطع النظير، وعلي طريقة نظام المخلوع في كلمته الشهيرة 'خليهم يتسلوا'يلعب النظام الحالي نفس الدور، فبدلا من أن يحاول تهدئة الوضع من خلال وضع حلول جذرية للمشكلات، يجند أبواقا للمتاجرة بهموم البسطاء، كل مهمتهم هي الدفاع المستميت وفقط. مايحدث في مصر الان يدعو للريبة والحذر، فالمشهد السياسي يعكس تناقضات وانقسامات واضحة المعالم، وحالة الاستنفار والتحزب جعل مصر وكأنها انقسمت الي فريقين، والحشد ليوم 30يونيه من كلا الطرفين علي أشده، الامر الذي ينذر بعواقب قد تكون وخيمة علي كل الاطراف، ويجب علي كل مسئول ان يدرك ذلك جيدا، لان ادارة الدول تحتاج الي إدارة واعية تدرء الخطر، ولاتنتظر وقوعه، وإلا فعلي مصر السلام.