رغم إيماننا بأن مناقشة الأعمال الفنية وقضايا الدراما المصرية والفن السابع، أهم ألف مرة من تحليل موقف شخصي أو رأي عابر لفنان هنا أو هناك، ولكن حالة الجدل الواسع التي فرضت نفسها حول التصريحات الأخيرة للفنان يوسف الشريف، لم يكن من الصواب تجاهلها، ولم تكن مجرد رأي عابر، خاصة وأن عدداً كبيراً من الفنانين دخلوا في موجات متباينة بين الرفض والقبول، لموقف "يوسف" الذي أعلنه حول رفضه "مبدأ تلامس النساء"، وأداء المَشاهد الساخنة في أعماله الفنية، واشتراطه ذلك قبل إبرام أي عقد مع شركات الإنتاج. يوسف الشريف، الدائم لإثارة الجدل حوله من خلال أعماله الدرامية، ألقى هذه المرة "حَجَراً" في مياه الفن الراكد، وأبدى في أحد البرامج التليفزيونية، رأيه "الصادم" حول تأدية المَشاهد الساخنة، ورفضه مبدأ "تلامس النساء"، ما فتح أبواب أزمة تطفو على السطح بين حين وآخر، فيما تجدّدت الاشتباكات حول مفهوم "السينما النظيفة" الذي قتله النقاد بحثاً منذ مطلع الألفية الجديدة. عندما حكى "الشريف" مع الإعلامي رامي رضوان، في برنامجه، عن ذكرياته مع فيلم "هي فوضى" للمخرج يوسف شاهين، ذكر أن عائلته أبدت "تحفظات ما" حول أحد المَشاهد الساخنة داخل الفيلم، لم يكن هو من يؤديها، حينها شعر يوسف ب"الحرج" وقرر بعدها أن يشترط قبل الموافقة على أي دور في عمل فني، ألا يكون به مَشاهد ساخنة، بدعوى أنه بذلك يرضي ضميره، وتم تحريف التصريحات على السوشيال ميديا بأن "الشريف" يرفض ملامسة النساء، وانهال سيل الانتقادات والهجوم على الفنان الشاب، الذي أكد، خلال اللقاء، أن رفضه لهذا المبدأ، عطّل مسيرته الفنية، وعرّضه للتهكم والسخرية من أحد المخرجين الكبار، خلال مناقشة فيلم "ضخم" كان مقرراً القيام ببطولته، في وجود ناقد كبير وقتذاك، نصحه باعتزال الفن "أكرم" له، وقرر "يوسف" الانسحاب من الفيلم الذي كان "فرصة عُمر" لفنان شاب في مقتبل حياته الفنية، كما تعطل مشروع البطولة لسنوات بعدها، حتى أذن الله بسطوع نجوميته، على حد قوله. ومن مفارقات القدر، أن يوسف الشريف أدى دور المخرج الراحل "علي بدرخان" زوج سعاد حسني في مسلسل "السندريلا"، وهو المخرج المعروف بأنه من أجبر السندريلا على "تجويد" أداء المشهد السينمائي الأشهر بفيلم "الكرنك"، يبدو أن تقمّصه لهذا المَشهد في المسلسل، كان "خبطة رأس" غيّرت لديه مفاهيم الفن، ليقرر بعدها تحويل مساره الإبداعي، ووضع "ضوابط" لنفسه، ورغم توقفه سنوات عن العمل، وتهديده بشبح "الاعتزال المبكر"، إلا أن "الشريف" ظل محافظاً على عهده، حتى واتته الفرصة في مطلع العقد الثاني من الألفية بمجموعة من المسلسلات التي صنعت منه "نجماً تليفزيونياً" من طراز فريد، حتى لقبه جمهوره ب"چوكر الدراما". والطريف أن موجة الجدل حول تصريحات "الشريف" خلقت عاصفة من الخلاف لدرجة التراشق، حيث أعلن عدد من أهل الفن رفضه للفكرة، جملة وتفصيلاً، انطلاقاً من حرية الإبداع وصعوبة إخضاع الفن للمعايير الأخلاقية، لدرجة شن هجوم حاد من بعض المخرجين، في مقدمتهم مجدي أحمد علي، الذي أعلن استفزازه الصريح ووصف تصريحات يوسف ب"الهراء"، وشبّهه بمشايخ التطرف ممن يعتبرون "الزواج" في العمل الفني زواجاً شرعياً صحيحاً يقع بين الرجل والمرأة (الممثلين)، كما تمادى المخرج الكبير في صبّ غضبه، معلناً أن "الشريف" ممثل، عليه أن يخضع لشروط العمل الفني، و ليس من حقه فرض شروط من خارجه، هي من صميم عمل المؤلف والمخرج، متسائلاً عن إمكانية رفض الممثل لتأدية "مَشهد" حضن لابنته الغائبة، في سياق الدراما، على اعتبار أنها ليست ابنته في الواقع. وتماهى المنتج محمد العدل، مع الرأي السابق، معبراً عن استيائه من تصريحات "الشريف"، ونشر عبر حسابه بموقع "فيس بوك": "أنهينا تطبيق السينما النظيفة.. وبدأنا فى تطبيق مرحلة عدم التلامس". وفى المقابل، انهال سيل الدعم لتصريحات "الشريف"، من جانب عدد من زملائه الفنانين، كان أكثرها "مرارة" "بوست" مطوّل نشره الفنان الشاب محمد أنور، نجم مسرح مصر، مصحوباً بصورة ل"الشريف"، أعلن فيه أن تصريحات زميله جاءت من منطلق "خشية الله"، معتبراً أن إصراره على تطبيق مبدئه جعله في مركز الصدارة في عالم النجومية لما يقرب من "10" سنوات. كما دافعت ناهد السباعي عن موقف "الشريف"، مشددة أنها تحترم رأيه، رغم اختلافه عن قناعاتها الشخصية التي تنتهجها، احتراماً ل"الحرية الشخصية"، داعية الجميع إلى تقبّل الرأي والرأي الآخر، وكذلك دافع فنانون مثل هشام ماجد، وكريم فهمي وآخرون عن موقف "الشريف"، ودخل اللاعب المصري العالمي محمد صلاح، على الخط، بنشره مقطع فيديو لفيلم "العالمي" بطولة يوسف الشريف، عبر حسابه الرسمي على تطبيق الصور "أنستجرام"، فهمها الجمهور بأنها إشارة واضحة لدعم موقفه. وكانت نهاية التسعينيات، قد شهدت ظهور مصطلح "السينما النظيفة" الذي فرض نفسه بالتزامن مع موجة الأفلام الكوميدية، واختفاء ما يُعرف ب"سينما المقاولات"، وشهدت قاعات السينما عودة الأسرة المصرية من جديد، بداية بفيلم "اسماعيلية رايح جاي"، وظهر "المُضحكون الجدد" الذين وقّعوا "اتفاقاً ضمنياً" على وثيقة "السينما النظيفة"، في مقدمتهم محمد هنيدي وأحمد حلمي ومحمد سعد. وبالعودة الأعمق للموقف الصريح ل"يوسف الشريف"، نجد أن هناك "3" فِرَق اتخذت ردود أفعال متباينة، أولهم انغمس في فكرة "الدراما النظيفة"، وتأثيرها على سلوكيات المجتمع، خاصة بين المراهقين، والفريق الثاني اتهم "الشريف" ب"المزايدة والمبالغة"، وتهامس هذا الفريق حول الدور الخفي الذي تلعبه زوجته "مصممة الأزياء"، والتي تعتبر مستشاره الفني الأوحد، أما الفريق الثالث تبنى مبدأ حرية الإبداع بدون وضع سقف وصفوه ب"المطاطي"، تحت شعار "تقبّل الآخر"، وعدم شرعية استخدام سلاح "الأخلاق"، في تقييم الأعمال الفنية، بدعوى أنه يضرب "الإبداع" فى مقتل، لاختلاف المعايير و"مطاطية" الكلمة، وفق سياق الزمن، ففي زمن ما، كان الرقيب يحذف "مَشهداً" للرقص هنا أوهناك، ويقصّ "مقطعاً صوتياً" من أغنية مثل "بمبي - سعاد حسني"، وفي زمن آخر تتم إعادة الأشرطة المحذوفة. والمتابع للمنظور "الأخلاقي" في تصريحات الفنانين، نجد تصريحاً مثيراً للجدل، أطلقه الزعيم عادل إمام بإعلان رفضه القاطع لاشتغال "ابنته" في الفن والتمثيل، مبرراً ذلك بأنه لا يرتضي "القبلات" لابنته، بحُكم أنه رجل شرقي تربّى على تقاليد الأحياء الشعبية المحافظة، وقال وقتذاك: "أنا حُرّ فى رأيى، وما زلت متمسكاً به؛ لأن طبيعتى وثقافتى هى التى جعلتنى أرفض احتراف ابنتى التمثيل، وأنا من الحلمية، فهل سأكون سعيداً عندما أشاهد ممثلاً يقبّل ابنتي ثم أقول لها بعد انتهاء المشهد (الله.. البوسة حلوة)"، وكذلك كان رأي الفنان ماجد المصري برفض اشتغال ابنته بالفن، لنفس السبب. في حين وضع عدد من الممثلات شروطاً صارمة لاشتغالهن في أعمال فنية، تحت شعار "لا للقبلات"، بل ورفضت ممثلات شهيرات "أفلاماً ضخمة" بها قبلات ومَشاهد ساخنة، وانحصرت المبررات في "رؤية" و"تقييم" رجُل الشارع لأخلاقهن، على حد تعبيرهن، لدرجة استعانة أحد المخرجين ب"دوبليرة" لفنانة معروفة لتأدية مشهد فيه "قُبلات"، لإنقاذ الفيلم، بخلاف رفض الممثلات "المحجبات" مبدأ تلامس زملائهن داخل العمل الفني، وكان المثال الأشهر للفنانة الكبيرة فاتن حمامة التي كانت ترفض "القُبلات" رفضاً قاطعاً في أفلامها، حتى جاءت القُبلة الشهيرة مع "حبيبها" النجم عمر الشريف، في فيلم "صراع في الوادي"، وقامت الدنيا وقتها، ولم تقعد. ويشهد الوسط الفني، منذ منتصف القرن الماضي، قضايا جدلية بذات الشأن، كان أشهر أبطالها الفنان الراحل حسين صدقي، الذي كان يرفض القبلات والمَشاهد الساخنة، وكانت أفلامه كلها "مواعظ"، وتردّد أنه قبيل نهاية مشواره الفنى، "حرق" بعض أفلامه التى قدمها فى البداية لرفضه محتواها، وكان آخر أعماله فيلم ديني بعنوان "خالد بن الوليد"، كما حاولت الفنانة المعتزلة شمس البارودي، حرق عدد من أفلامها، وأعلنت التبرؤ منها، لاحتوائها على مَشاهد ساخنة، في حين قرر زوجها الفنان حسن يوسف، عدم تقديم أية مَشاهد ساخنة، وعدم ملامسة النساء في أعماله، ووضع شروطاً كثيرة في أي عمل يقدمه.