قال الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان إن الولاياتالمتحدة لم تفقد اهتمامها قط بمنطقة الشرق الأوسط والصراعات التي تشهدها، مشيرا إلى أن موجة الاضطرابات الداخلية التي شهدتها البلاد مؤخرا، تزامنا مع استمرار تفشي جائحة كورونا، تغلبت نسبيا على قضايا السياسة الخارجية.. وأضاف فريدمان - خلال ندوة أقامتها غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة عبر وسائل التواصل الافتراضي عصر اليوم /الاثنين/ تحت عنوان (نظرة الولاياتالمتحدة بشأن المشهد العالمي اليوم) - أن "محدودية" الدور الأمريكي في المنطقة كما يصفها البعض حاليا، يعود في جزء منه إلى تركيز إدارة ترامب على معالجة القضايا الشائكة في الداخل لاسيما بعد اندلاع تظاهرات منددة بمقتل أحد المواطنين من أصحاب البشرة السمراء على يد قوات الشرطة بوحشية واستمرار تفشي كورونا . ورأى الكاتب الأمريكي أن الأوضاع قد تتبدل بعد نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر إجراؤها شهر نوفمبر المقبل، بحيث تعود بوصلة السياسية الخارجية الأمريكية إلى سابق عهدها، لكنها لن تكون بنفس مستوى الدور الذي لعبته الولاياتالمتحدة في المنطقة إبان فترة الثمانينيات والسبعينيات. وردا على سؤال حول العلاقات الأمريكية-الصينية، قال فريدمان إن أحد أهم مكتسبات الشراكة الأمريكيةالصينية عبر عقود طويلة تمثل في تحقيق تقدم وسلام عالميين، محذرا من أن ما أسماه "طلاق على وشك الحدوث" بين الاقتصاديين الأكبر عالميا، من شأنه تهديد فرص الاقتصاد العالمي في التمتع بسلام ونهضة وارباك نظام التجارة وسلاسل التوريد حول العالم. وأضاف فريدمان أن الصين أثبتت تفوقا في إدارة الأزمة مع الولاياتالمتحدة، في حين أساءت إدارة ترامب التعامل مع الوضع وأخفقت في إنشاء تحالف عالمي مع دولة بثقل "المارد الصيني"، وذهبت عوضا عن ذلك في إلقاء اللوم واتهام الجانب الصيني بإشعال فتيل التوتر في العلاقات بين الجانبين، ومن ثم أثارت حفيظة التيار القومي والوطني في كلا الدولتين. وحول تفشي جائحة فيروس كورونا، شدد توماس فريدمان على ضرورة تقييم الأوضاع من خلال عدسة "العلوم و الطبيعة" والبعد نهائيا عن أية اعتبارات سياسية أو أيدلوجية. وأوضح أنه عبر تاريخ البشرية، انبثقت العديد من التغييرات في نظام الطبيعة من أجل اختيار ما وصفه ب"الأنسب" والأصلح، وأكد أن ذلك لا يعني الأقوى أو الأذكى بين البشر بل الأكثر قدرة ومرونة على التكيف مع التغييرات الدائرة حوله . وأضاف أن هذه الرؤية تطرح تساؤلات عدة حول استراتيجية الدول في التكيف مع التغيرات الحالية، أولها: مدى احترام واستيعاب خطورة الفيروس على حياة البشر والاقتصاد أو بمعنى آخر عدم الاستهانة به واتخاذه على محمل الجد. كما تساءل فريدمان عن مدى نجاح الدول في تنسيق رد عالمي متجانس، بحيث لا يتسلل الفيروس عبر أية ثغرة ليفتك بالبشر والمجتمعات، مشددا على ضرورة أن تعتمد الاستراتيجية العالمية على مبادىء العلوم والفيزياء والابتعاد عن الأجندات الخاصة والمعطيات السياسية. ورأى أن التكيف في الوباء يحتاج لنوع من الموائمة أو "الصفقة " والتي تقتضي ضرورة استيعاب إننا أمام خصم شرس لا يرحم و لايمكننا أن نحمي البشر دون انهيار الاقتصاد أو حماية الاقتصاد دون وقوع عدد ضخم من الوفيات ، لذلك في الأزمة تحتم بلورة استراتيجية مستدامة تستهدف تحقيق أكبر قدر من الحماية الممكنة للبشر والاقتصاد معا . ولفت إلى هناك عدة نماذج مختلفة اعتمدتها الدول في إدارة أزمة تفشي وباء كورونا ؛ أبرزها التجربة الصينية والتي اثبتت نجاحا، حيث عمدت الاستراتيجية التي وضعتها الإدارة في الصين إلى إجراء نظام هائل من الكشف والفحوصات لمراقبة وفحص المصابين بالفيروس عبر تطويع أحدث سبل التكنولوجيا، و سارت على دربها دول مثل كوريا الجنوبية وألمانيا وهولندا. وعن النموذج الثاني، أشار فريدمان إلى أن السويد اعتمدت في نهجها حماية الفئات الأكثر ضعفا والبقاء على الاقتصاد مفتوحا نوعا ما مع إغلاق المدارس والجامعات، والسماح للفئات التي تعد أقل عرضة لخطر الوفاة من الاصابة بالفيروس المستجد إلى استئناف نشاطها الاقتصادي وعزل الأكثر هشاشة. وراهنت هذه الاستراتيجية على تطوير الأفراد مناعة طبيعية عبر الشفاء من الإصابة بالفيروس ومن ثم بناء مناعة القطيع وهو ما أثبت فاعليته حتى الآن ولا نعلم هل قد تسوء الأوضاع في المستقبل أم لا. والنموذج الثالث - كما تحدث الكاتب الأمريكي - هو النهج الذي اعتمدته الولاياتالمتحدة تحت إدارة ترامب وهو حسب وصفه:"التظاهر بأننا مثل الصينوالسويد بل وإننا أفضل منهما في حين أن الأوضاع على الأرض أكثر سوءا وخطورة واعتبر فريدمان أن نهج إدارة ترامب في التعامل مع أزمة كورونا فوضويا. ورأى فريدمان أن أزمة كورونا ستتسبب في بناء عالم جديد أو نظام عالمي جديد يصعب التكهن بملامحه حتى أن يتم الإعلان رسميا عن التوصل لعقار أو مصل للفيروس، مؤكدا أن ذلك النظام الجديد يعتمد كليا على مسار تطور المرض ولا يمكن لأحد التنبؤ بما قد يحدث مستقبلا. ودعا في الوقت ذاته التحلي إلى التفاؤل - ولو بدا ذلك حاليا ضرب من ضروب الجنون - في ضوء توافر الحلول المبتكرة ووسائل التكنولوجيا التي سهلت على البشر العمل والتعلم عن بعد والتي قد تمهد الطريق لحياة جديدة تلعب خلالها الفوضى الخلاقة دورا مهما وأقل تكلفة وحول سؤال بشأن إذا ما ستتسبب أزمة كورونا في حد من العولمة نظرا لتوجه بعض الدول إلى التصنيع المحلي وتخزين مواردها الغذائية والطبية والنفطية تحسبا لتدهور الوضع، أكد توماس فريدمان أن ذلك سيضر بنظام التجارة العالمي وسلاسل التوريد وإنه أشبه بانتحار اقتصادي سيكلف العالم الكثير.