مساء الجمعة الماضى 19 يونيو، حدثنى أحد ضباط الشئون المعنوية للقوات المسلحة؛ ليدعونى ضمن وفد محدود من رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف إلى التواجد فى الخامسة من صباح اليوم التالى (الأحد) في مقر قاعدة شرق القاهرة العسكرية؛ لحضور اصطفاف القوات فى المنطقة العسكرية الغربية بحضور القائد الأعلى الرئيس عبدالفتاح السيسى. كانت الرسالة تعنى الكثير؛ لكن أحدًا لا يتوقع سيناريو الأحداث خلال هذا اللقاء، مضت بنا الطائرة العسكرية لنصل إلى قاعدة سيدى برانى بالقرب من الحدود المصرية- الليبية فى نحو الساعة والنصف تقريبًا.. فى تمام الحادية عشرة من صباح ذات اليوم، وصل القائد الأعلى إلى ميدان الاصطفاف، كل شىء منضبط، صورة مبهرة للمعدات والضباط والجنود، شرح لطبوغرافية المكان، قائد المنطقة العسكرية الغربية (الجديد) يعلن عن جاهزية القوات؛ لأداء المهمة المكلفة بها، وفد من قبائل ليبيا يضم شيوخًا وعواقل ورجالات معروفين بالاسم، إنهم يرتدون الملابس، التى يرتديها شيوخ قبائل مرسى مطروح ونوابها فى البرلمان، لا تكاد تفرق بينهما فى اللهجة والملبس، والعادات، شعب واحد فى بلدين. مضيت نحو الوفد الليبى لأحييه، لمحت صديقى الإعلامى أحمد النمر، تعرفت على العديد من المشايخ ورجالات القبائل، كان أبناء مرسى مطروح يلتفون حول محافظهم الهمام اللواء «خالد شعيب» الذى أحبوه سريعًا، وأحبهم يقضى الليل والنهار وسطهم، نادرًا ما يأتى إلى القاهرة هو هكذا دائمًا، يرهن كل وقته لعمله. دقائق معدودة وأعلن عن وصول طائرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، اصطف الجميع تحية للقائد الأعلى، وبدأت مراسم الاحتفال، هبط الرئيس إلى الساحة واستعرض الاصطفاف وتلقى تحية من الطيارين وقال لهم: خليكم جاهزين لمهام الداخل أو الخارج. عندما وقف الرئيس ليلقى خطابه التاريخى والهام، كانت كلماته حاسمة، ومواقفه واضحة، ورؤيته للأمن القومى ثاقبة ملتزمة بالشرعية الدولية وحق مصر فى الدفاع عن أمنها القومى. لقد حدد الرئيس الموقف من جراء الأحداث التى تشهدها ليبيا على الوجه الآتى:- - التأكيد على مواقف مصر الثابتة فى رفض الإرهاب أو التفاوض مع حكومة الميليشيات ورفض التدخل الخارجى من قبل القوى المعادية لليبيا وأمنها واستقرارها. - إن مصر طرحت «إعلان القاهرة» إيمانًا منها بالخيار السلمى للحل، ورغم الموافقات الدولية على المبادرة، إلا أن رفض الطرف الآخر فى ليبيا للمبادرة يعنى أن هناك إصرارًا على رفض مقترح وقف إطلاق النار. - إن مصر لا تريد سوى الحرص على ليبيا المستقرة الآمنة، ليبيا السلام والتنمية، وأنها رفضت فى وقت سابق التدخل، حتى لا يذكر التاريخ أن مصر تدخلت فى ليبيا فى مرحلة الضعف؛ ولكن الموقف الآن بات مختلفًا. - إذا تحرك الشعب الليبى، ومجلس النواب الشرعى وطالبنا بالتدخل، فسوف نلبى، وهذه إشارة للعالم بأن مصر وليبيا بلد واحد، ومصالحهما واحدة واستقرارهما وأمنهما واحد. - إن احترام مصر للقرارات والقواعد والشرعية الدولية لا يعنى الاستسلام والتفاوض مع القوى المعادية والميليشيات الإرهابية والمرتزقة؛ ولكنه يعنى تقديم الدعم للأشقاء عند الطلب لمجابهة التهديدات الخارجية. - إن جيش مصر يحمى ولا يهدد، ومن يدافع عن ليبيا هم أهل ليبيا، ومصر مستعدة لتدريب شباب القبائل الليبية تحت إشراف شيوخها لحماية الأمن والاستقرار فى البلاد. - إن منطقة سرت والجفرة هى تعد بمثابة خط أحمر بالنسبة لمصر ولا يجوز تجاوزه. - يخطئ من يظن أو يعتقد أن حُلمنا ضعف وأن صبرنا تردد، وهى رسالة لكل من يعنيه الأمر بأن مصر ليست ضعيفة؛ ولكنها تسعى دومًا إلى إحلال السلام، ولكن حق الدفاع عن الأمن القومى هو حق تضمنته الشرعية الدولية. تلك كانت الثوابت التى أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه الهام بقاعدة سيدى برانى العسكرية، وقد أحدث هذا الخطاب ردود فعل إيجابية على الصعيدين الليبى والمصرى وأيضا على الصعيد العربى والدولى، بينما أثار قلقًا كبيرًا لدى تركيا وقطر وحكومة السراج. وقد أكدت السعودية أن أمن مصر جزء لا يتجزأ من أمنها وعبرت عن تأييدها الكامل لحق مصر فى حماية حدودها الغربية من الإرهاب، كما أعربت الإمارات عن تأييدها لكل ما ورد فى خطاب الرئيس السيسى ووقوفها إلى جانب مصر فى كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها واستقرارها من تداعيات التطورات المقلقة فى ليبيا، وهو نفس الموقف الذى أكدته مملكة البحرين. أما الخارجية الأمريكية فإن البيان الصادر عنها حوى موافقة ضمنية وإن لم تكن صريحة عندما قال «إن واشنطن تدعم جهود مصر للعودة إلى المفاوضات ورغبة الليبيين فى إنهاء التدخل العسكرى وحظر توريد السلاح». ومن الواضح حتى الآن أن الموقف الدولى- والغربى تحديدًا- يرغب فى إنهاء الأزمة سريعًا، خاصة إن التدخل العسكرى التركى المباشر فى شئون ليبيا دفع العديد من الدول الأوربية إلى الشعور بالخطر، وهو ما عبرت عنه الخارجية الفرنسية التى بدأت اتصالات مكثفة بالحكومتين البريطانية والألمانية لوضع حد للمخاطر الناجمة عن التدخل التركى ودعم الإرهاب. ولاشك أن السيناريوهات المقبلة للأزمة تتوقف على موقف الطرف المعادى وتحديدًا تركيا وحكومات الميليشيات، فبعد خطاب الرئيس صدر موقف تركى، يؤكد الاستمرار فى مخطط الاعتداء على سرت، وأن وقف إطلاق النار لن يتم إلا بعد انسحاب الجيش الليبى من سرت. ومن المؤكد أن هذا الرد السريع على خطاب الرئيس يعنى أن تركيا مصممة على تجاوز الخطوط الحمراء التى حددها الرئيس السيسى؛ ما سيدفع مصر إلى تنفيذ تعهداتها وحماية أمنها القومى بإرسال جنودها حال طلب مجلس النواب والشعب الليبى لها بذلك، وهو أمر عبرت القبائل الليبية عن ترحيبها به فى أعقاب خطاب الرئيس مباشرة. وإذا لم يتدخل المجتمع الدولى ويضع حدًا للاعتداءات التركية على ليبيا، فإن ذلك بالقطع سيقود إلى صدام على الأرض الليبية. صحيح أن الجيش المصرى مستعد للمواجهة وحماية الأمن القومى للبلاد، ولكن عودة إلى حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى قال إن الجيش المصرى جيش قوى؛ لكنه رشيد، يحمى ولا يهدد، وتلك هى استراتيجيته وعقيدته. لقد قال الرئيس أكثر من مرة «إنه يفضل الخيار السياسى على ما عداه» وأطلق إعلان القاهرة لوضع حد لما يجرى على الأرض الليبية، إلا أن أردوغان راح يهدد ويتوعد بدخول سرت، والاستيلاء على الهلال النفطى ومن بعده السيطرة الكاملة على الأراضى الليبية. وإذا كانت مصر تعرف أنها المستهدف من وراء هذا المخطط، فإنها لا يمكن أن تصمت أو تقبل بالاستسلام للأمر الواقع وترك الساحة لأرودغان ليهدد الأمن القومى للبلاد. إن الشعب المصرى يدرك يقينًا أن القيادة السياسية بذلت جل جهدها من أجل الخيار السلمى وكان لها دورها فى عقد مؤتمر برلين، وعودتها لتفعيل مقرراته؛ لكن مطامع أرودغان فاقت الحدود، كما أن اعتداءاته على ليبيا داست على المقررات الدولية وقرارات مجلس الأمن، حتى بات الأمر خطيرًا، ويهدد كافة دول الجوار. إن الشعب المصرى يقف صفًا واحدًا خلف قيادته السياسية وخلف جيشه العظيم دفاعًا عن أمن البلاد وحماية لأمنها القومى. وإذا كان الغرور قد أصاب أردوغان وعصابته فإن جيش مصر العظيم سيلقنه درسًا لن ينساه وسيجبره إلى أن يأخذ عصاه وعملاءه ويرحل عن أرض ليبيا الشقيقة. لقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى للمرة الألف أنه صادق فى وعوده، وأن أمن مصر وأمن الأمة وأمن ليبيا هو خط أحمر، فاستعاد بذلك مجد الأجداد والقادة العظام الذين ضحوا بكل غالٍ ورخيص من أجل حماية مصر وأمنها والذود عن أمتها العربية.