إن داء الأمم قد دب في المسلمين فأصبحوا أهل فسق.. وعليهم أن يخرجوا الدنيا من قلوبهم.. ويمسكوا بها بأيديهم.. فلا يسلموا أنفسهم لها.. وليس معني ذلك أن نتركها للسفهاء والفسقة والكفار يتولون أمورها، ويستولون علي خيراتها.. وتكون الأموال بينهم دولة تخرج من اليد الآثمة إلي أختها الجشعة'.. هكذا قال 'حسن البنا'.. في حديث الثلاثاء الذي كان يعتبر أهم وسائل تربية الأعضاء وإعداد الكوادر.. وهو الأمر الذي اهتم به المرشد المؤسس ووضع له منهجًا متدرجًا يأخذ بالعضو مرحلة بعد الأخري حتي يصل به إلي أعلي المراحل.. مرحلة المجاهد.. وقد وضع البنا منهجًا لتربية الأعضاء من ثلاث مراحل.. الأولي أو 'التمهيدية' تكفي لكي يلم العضو بالمبادئ الأساسية للإسلام من خلال منهج 'يقوم بغرس العقيدة الصحيحة في قلبه'.. مع قراءة القرآن والتجويد.. أما المرحلة الثانية أو 'التكوينية'.. ويركز منهجها علي أركان الإيمان فهمًا والتزامًا، وتفسير القرآن.. وشرح الحديث.. وتعميق العقيدة.. والمزج بين التربية الروحية والخلقية والاهتمامات العلمية والثقافية.. وفي المرحلة الثالثة.. يتوفر العضو علي دراسات خاصة كالفقه وأصوله، والسُنة ومكانها في التشريع وتاريخ الإسلام والحركات المعاصرة.. كما يلزم العضو بقيام الليل، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه.. مع 'إعداد النفس وتهيئتها للبذل والتضحية والقيام بالواجب نحو أمته ووطنه' مع برنامج عملي يطول شرحه.. كان يقوده البنا شخصيًا حيث تختلط الثقافة بالرياضة بالحديث عن أداب 'الرمي والسباق والجهاد' وقيام الليل للعبادة فرادي وجماعات.. ثم استنباط أداب من القرآن والسُنة تتعلق بأمور الحياة جميعًا حتي ما يتعلق منها بآداب الطعام والشراب.. ومن الثابت أن فكرة القوة و'العسكرة' كانت أملاً يراود البنا منذ البداية.. وقد قام بالعديد من التجارب.. وأنشأ العديد من الأجهزة والفرق 'فرق الرحلات.. فرق الجوالة.. الأسر.. الكتائب.. إلخ'.. ومن كل هذه التنظيمات وأعضائها البارزين تشكل التنظيم السري.. لم تكن مناهج اعداء الأعضاء والكوادر جامدة.. بل كانت تتطور دائمًا وفق الظروف والحاجات وإن كان الجانب الديني والأخلاقي ثابتًا.. وعندما تزايدت العضوية.. وكثرت أعداد الشُّعب شعر البنا بالقلق ورأي أن المناهج المتبعة لم تعد كافية لضمان استمرار الولاء له- وهو الزعيم الذي ينظر إلي أبعد ما يمكن- فكان التركيز علي شروط نجاح الدعوات.. والتركيز علي اتحاد الكلمة.. والإيمان بالقيادة وحقوقها.. فقال ذات مرة: 'إن المسلمين الأوائل انتصروا بقوة إيمانهم وسلامة عقيدتهم واتحاد كلمتهم.. وعلينا أن ندعم في أنفسنا عقيدة تلهب فينا الغيرة والحماس والرابطة التي تعين علي الحق والعدل'.. كما تحدث عما يحتاجه أصحاب الدعوات- مثله- لنجاح دعواتهم.. ويؤكد في ذلك علي تحديد الهدف وفهم الدعوة ونشرها بين الناس ثم حماية الدعوة من عدوان المفسدين.. ويذكر أن أركان الدعوة هي: المنهاج والجنود والقائد.. ولابد أن يتوفر للمنهاج الوضوح والشمول، وللجنود الإيمان والحب والبذل، وللقائد الإخلاص والكفاية والحزم.. ويري أن كل ذلك متحقق في تنظيم الإخوان دون غيره 'فأين من نظامنا هذه النظم التافهة المتداعية، هذه الديمقراطية والشيوعية والدكتاتورية كلها أنظمة لا تضمن الحرية ولا تحقق السعادة'.. ومن اللافت حديث البنا الدائم عن 'النهضة' ويبدو أن المسألة قديمة، وقد أصبحت إرثًا إخوانيًا بغض النظر عن وجودها من عدمه، وعندما حاول البنا أن يضفي صفات القداسة والمهابة علي شروط نجاح الدعوات، أكد أن القرآن أشار إليها ونوه بها.. وقال في ذلك كلامًا غريبًا 'أجمع السور لمعاني القرآن ومراميه سورة تعدل ثلث القرآن'.. ويقصد بها سورة الحجرات التي جمعت ملامح النهضة كاملة لما فيها من تطبيق لقواعدها، فالنهضة الكاملة إنما تأتي من قائد وجند ومنهاج وغاية.. وقد جمعت سورة الحجرات كل ذلك فثلثها الأول يبين حق القيادة وشرائطها، وحسن الأدب معها.. وثلثها الثاني تناول صفات الجند وما يكونون عليه من حب ووحدة، والثلث الأخير حدد الغاية ووضحها'.. وحسن البنا هنا يريد أن يحقق أمرًا آخر، ويعرض بالمخالفين له والمنشقين عنه في البداية.. 'وأنهم لم يحسنوا الأدب معه كقائد، ومن ثم خالفوا تعاليم القرآن الكريم التي تحث عن احترام القائد وحسن الأدب معه وطاعته وعدم السخرية منه أو التقول عليه لأنه يقودهم تحت لواء رسول الله، وينهج بهم نهجه، ويسير وفق سنته'.. وكان البعض قد تمردوا علي البنا عند البداية في الإسماعيلية وأبلغوا النيابة ضده لمخالفات مالية قالوا بها.. فجمع عددًا من أتباعه حيث 'اعتدوا عليهم بالضرب'.. وقال: 'إن المخالفين قد تلبسهم الشيطان.. ومن يشق عصا الجمع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان'.. ثم قال: 'يجب علي الأخ أن يعد نفسه إعدادًا تامًا ليلبي أمر القائد في أي ناحية، إن الدعوة تتطلب منا أن نكون جنود طائعين بقيادة موحدة، لنا عليها الاستماع للنصيحة، ولها علينا الطاعة في المنشط والمكره' وأيضًا 'يتعين علي العضو الثقة بالقائد والإخلاص والسمع والطاعة في العسر واليسر ومن كل يتأكد لنا الإحساس المبكر لدي البنا بالزعامة.. وتضخم النزعة الفردية لدرجة الضيق بالرأي الآخر.. وسرعة التخلص من معارضيه.. والسعي للانفراد بالسلطة.