قالها وهو يبكي ( من جبر خاطر الناس جبر الله خاطره) ، هكذا حكى لي صديق المحنة التي ألمت به على مدار عامين ، عندما مرض ابنه الوحيد وظل يتردد على الأطباء ، قال لي في أحد الأيام وبعد أن بلغ اليأس منتهاه من كثرة التردد على الأطباء ، ذهبت بولدي للطبيب وعندما نزلنا من عنده قلت في نفسي لن أذهب لصرف روشتة الطبيب فعندي في البيت أدوية كثيرة ، يقول فجاء هاجساً في نفسي وقلت من باب إبراء الذمة سأذهب لصرف الروشتة ، يقول ذهبت للصيدلية ووقفت بجوار سيدة عجوز معها طفلين يبكيان يبدو أن الدهر أكل منها وشرب ، صرف الصيدلي العلاج لها وقال لها ثمن الدواء أربعون جنيهاً ، فقالت له يا ولدي ليس معي إلا عشرة جنيهات ، ثم همت السيدة بالانصراف لعدم وجود الثمن كاملاً ، يقول صديقي: قلت لها يا أمي خُذي العلاج وأنا أدفع الباقي ، يقول صديقي وهو يتذكر هذا الموقف والدموع تنهمر من عينيه أن السيدة العجوز نظرت إلىّ وقالت بدون سابق إنذار ( الله يجبر خطرك ويشفي لك ولدك ) ، يقول صرفت العلاج لابني ثم ذهبت إلى البيت وواقع كلمات السيدة العجوز ترن في أُذُني ، يقول وبعد يومين بدأت أرى ابني الذي ظل طريح الفراش عامين كاملين وهو يذهب إلى الحمام بنفسه دون مساعدة ، ثم يطلب الأكل بنفسه وبدأت الحياة تدب مرة أخرى في جسده الهزيل ، قُلتُ يا الله إنه دعاء السيدة العجوز التي ساعدتها في شراء الدواء ، يقول ذهبت إلى الصيدلية لعل الصيدلي يعرف منزلها لأذهب اليها شاكراً وأُقبِل يدها ، فقال لي الصيدلي : ليلة أمس لم تكن طيبة لي، فقلت له لماذا ؟ قال الصيدلي: رأيت كأنني أغرق وهذه السيدة تمد يديها إلىّ لكني أعجز عن الإمساك بيدها، ثم قمت من نومي وأنا أبحث عنها مثلك . يا سادة جبر الخواطر ، هي كل كلمة طيبة ، أو ثناء حسن ، وكل سرور تدخله على إنسان ، جبر الخواطر مِن أعظم وأجلّ العبادات ، وأحبها إلى الله عز وجل. إن الله تعالى عاتب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن أم مكتوم وكان أعمى عندما جاءه وقال له يا محمد علمني مما علمك الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولا مع صناديد قريش في تعليمهم أمور الإسلام ، ليجيء القران بآيات محكمات في هذا الصدد ( عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)) ،ومن نماذج جبر الخواطر كما قال شيخنا الشعراوي رحمه الله أن تشتري من بائع متجول في شدة الحر أو المطر ويضطر للسير على قدميه لتوفير لقمة العيش لأبنائه ، من جبر الخاطر أن تدخل الفرح والسرور على المسكين والفقير الذي انكسر قلبه وذلت نفسه وضاق صدره ، لا تحتفلوا برمضان والأعياد وحدكم فتأكلون أطيب الطعام وتلبسون أجمل الثياب وبجواركم المحروم والفقير والمسكين واليتيم ، اجبروا خواطر الضعفاء والمحتاجين لعل فيهم من يأخذ بيدكم إلى الجنة أو يفلتكُم من السؤال أمام الديان ، اجبروا الخواطر وراعوا المشاعر و انتقوا كلماتكم و تلطفوا بِ أفعالكم، و تذكروا العشرة، ولا تؤلموا أحدًا، و قولوا للناس حُسْنًا