بعد أحداث (17 فبراير فى ليبيا)، التى أشاعت الفوضى وسعت إلى إسقاط الدولة، وجرى استغلالها من قبل القوى الخارجية والتيارات والميليشيات المتطرفة في ليبيا باتت البلاد على وشك الانهيار والتفكك، وتحول مشروع «التغيير» الذى بشَّر به «برنارد ليفى» إلى كابوس ثقيل جثم على أنفاس الليبيين، فانطلقت الحروب فى كل مكان، وسادت البلاد فوضى عارمة، وعمليات نهب وسلب لمئات المليارات من الدولارات. وفى هذا الوقت قامت الميليشيات المسلحة بمطاردة الليبيين، واقتحام المنازل وسرقة البيوت وارتكاب جرائم إنسانية ضد الكثيرين، مما تسبب فى رحيل الملايين من أبناء الشعب الليبى إلى خارج البلاد، حيث عانوا معاناة شديدة من جراء الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التى عاشوها. كان كل شيء ينذر بكارثة كبرى تُجْهِز على ما تبقى، فاشتدت الصراعات بين اللصوص والطامعين فى تولى شئون الحكم، فجرى تفكيك الجيش، واحتلت العصابات المسلحة العديد من المناطق وفرضت سيطرتها عليها، وباتت البلاد أمام واقع صعب فى ظل غياب جيش وطنى يحمى البلاد ويحافظ على أراضيها. فى هذا الوقت توجه الليبيون من رجالات القبائل ومشايخها والعسكريين السابقين والمثقفين والسياسيين إلى «اللواء» خليفة حفتر يطالبونه ببناء جيش وطنى يحمي ليبيا من الانهيار ويصون الناس وأموالها وأعراضها، لم يتردد "حفتر" فى تحمل المسئولية رغم صعوبتها، بل استحالتها فى هذا الوقت، وقرر البدء من طرابلس، ثم انتقل إلى بنغازى، ومن مقره فى «الرجمه» راح يكتب تاريخًا جديدًا لليبيا، حيث أطلق ثورة الكرامة التى استهدفت تحرير الوطن وتحرير الإنسان ونجح فى تحرير 90٪ من سيطرة الميليشيات، وبعد مضى ست سنوات، أبريل 2014م- أبريل 2016، أطلق المرحلة الثانية التى طالب فيها الشعب باختيار المؤسسة التى يراها وتفويضها لاستكمال المشروع الوطنى فأطلق رصاصة الرحمة على «الاتفاق السياسى» الذى ثبت فشله واستغلال مضمونه لصالح الميليشيات والتدخلات الخارجية وهو المرتكز إلى اتفاق الصخيرات الذى جرى تجاوزه منذ سنوات. جاء قرار المشير بهدف التصدى لحالة الضعف والعجز التى هوت إليها مؤسسات الدولة الليبية، وعجزها عن القيام بواجباتها مع تزايد وجود الجماعات الإرهابية المسلحة التى تهيمن على ما يسمى بحكومة «الوفاق» التى ارتمت فى أحضان الأتراك، وفتحت البلاد وللمرتزقة وللمستعمرين؛ للتحكم فى رقاب الليبيين ونهب ثرواتهم. لقد وصفهم المشير حفتر ب"العصابة العميلة» وطالب الشعب الليبى بتفويض المؤسسة التى يرونها أهلاً لقيادة المرحلة القادمة وإدارة شئون البلاد وفق إعلان دستورى يصدر عنها، يضمن عبور هذه المرحلة بسلام ويُمهِّد لبناء الدولة المدنية التى يتطلع إليها الشعب الليبى. لقد دعا المشير خليفة حفتر فى خطابه التاريخى أحرار ليبيا لاتخاذ هذا القرار التاريخى بكل ثقة وحزم عبر المجالس المحلية ومؤسسات المجتمع المدنى وتنظيماته السياسية والاجتماعية والثقافية والمهنية، والتعبير عن إرادتهم الحرة لتصحيح المسار، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. وتعهد المشير فى بيان الخميس (22 أبريل 2020) بأن القوات المسلحة ستكون فى الموعد بكامل جاهزيتها؛ لتنفيذ قرارات الشعب ومؤسساته، وستواصل نضالها حتى تحرير كامل التراب الليبى. لقد وجَّه المشير اتهامات مباشرة إلى المجلس الرئاسى وعلى رأسه «فائز السَّراج» كونه ادعى الشرعية بالباطل، واستهان بكرامة المواطنين وفرّط فى سيادة الدولة ودمر اقتصادها، وأهدر ونهب أموال الشعب، وأفسد الذمم وأهمل التنمية وتحالف مع ميليشيات الإرهاب، وسَخَّرَ موارد النفط لدعمها، بعد أن حررها ضباط وجنود ليبيا الأشاوس، وافتدوها بأرواحهم ودمائهم الطاهرة، وجلب المرتزقة لمحاربة الجيش الوطنى حتى سقط فى هاوية العمالة والخيانة بدعوة المستعمر البغيض لاحتلال البلاد وحماية ميليشيات الإرهاب فى العاصمة. وبعد أن انتهى المشير من إلقاء بيانه التاريخى تحركت جماهير وقبائل الشعب الليبى لتعلن دعمها للقائد العام، وتؤكد خيارها فى تفويض المؤسسة العسكرية التى ناضلت وضحت وحررت الأراضى وتقدم الشهداء، وهى الأمينة على تحقيق كامل المشروع الوطنى لليبيين فى تحرير كامل تراب الكيان الوطنى وإصدار إعلان دستورى يضمن تحقيق الديمقراطية والعدالة وبناء المؤسسات ووضع دستور دائم لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وتشكيل حكومة يوافق عليها البرلمان. لم يستهدف المشير وراء مشروعه «عسكرة» البلاد، كما تدعى جماعات الإخوان وميليشياتها الإرهابية، أو بعض من فى قلوبهم مرض، وإنما هى مرحلة انتقالية تأخر إعلانها فى ليبيا لحين إعادة بناء الجيش لتصل قوته من العدم إلى ثمانين ألف ضابط وجندى. إنه نفس السيناريو الذى مرت به مصر فى أعقاب أحداث الخامس والعشرين من يناير، حيث تولت القوات المسلحة المصرية بقيادة المشير حسين طنطاوى إدارة البلاد فى المرحلة الانتقالية التى استمرت لنحو سبعة عشر شهرًا من يناير 2011م، إلى يونيه 2012م، أجرت خلالها الانتخابات البرلمانية والرئاسية على السواء، حافظت فيها على الدولة وكيانها الوطنى، وتصدت للفوضى، وانهيار الأمن، والاقتصاد فى البلاد. إن القراءة الموضوعية لبيان القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية الصادر فى 22 أبريل 2020 يؤكد: - أولاً: إن تفويض الشعب الليبى للمؤسسة التى سيختارها لن يكون شيكًا على بياض، بل سيكون مرتبطًا بإعلان دستورى يحدد طبيعة المرحلة، والمهام المطروحة، والتوقيتات الزمنية لإنجاز المشروع الوطنى الليبى كاملاً، من تحرير التراب إلى تحرير الإنسان. - ثانيًا: إن هذا المشروع هو بداية لمرحلة جديدة لها سماتها وملامحها بعد إسقاط الاتفاق السياسى الذى جرى استغلاله لصالح الميليشيات والتدخل الخارجى، وإن المرحلة القادمة ستكون العودة فيها للشعب لتحديد خياراته. - ثالثًا: إن دور المؤسسة التى سيفوضها الشعب هو الحفاظ على وحدة الوطن وثرواته وإنقاذ مؤسساته من مرحلة الضعف إلى مرحلة القيام بمسئولياتها على الوجه الأكمل، وإن القوات المسلحة ستكون بكامل جاهزيتها لتنفيذ قرارات الشعب ومؤسساته المدنية. - رابعًا: إن عودة المشير حفتر فى خطابه إلى المجالس المحلية ومؤسسات المجتمع المدنى، والقوى الاجتماعية المختلفة لهو دليل على التمسك بالثوابت، والعودة إلى الشعب وخياراته المباشرة، وأن ذلك دليل على أن طبيعة وسمات المرحلة القادمة سيكون الخيار الشعبى فيها هو الأساس. - خامسًا: إن هذه الانطلاقة الجديدة من ثورة الكرامة تأتى متوافقة مع الانتصارات التى يحققها الشعب الليبى ضد الخونة، والمتآمرين ومن يساندونهم من الأتراك والقطريين، مما يعطى مزيدًا من الزخم والثقة للمؤسسة التى باتت هى طوق النجاة لأبناء الشعب الليبى فى هذه الفترة، جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة الأخرى، وشرفاء الوطن الذين تصدوا للخطر، وكانوا داعمين للمؤسسة العسكرية فى كل خطواتها وتوجهاتها نحو التحرير.