ملف 'العمد والمشايخ' واحد من بين عشرات الملفات التي أزاحت ثورة 25 من يناير عنها التراب لما يمثله هذا الملف من أهمية لدي الملايين من أبناء الريف وما يضطلع به من يقوم بهذه المهمة من أدوار أثرت سلبا وإيجابا في الحياة السياسية للمصريين بوجه عام منذ صدور أول قانون للعمد عام 1805. ولسنوات كان دوار العمدة هو بيت الحكم في القرية، فالعمدة يفصل في الخلافات التي تنشب بين العائلات أو الأفراد أو حتي بين الأزواج، وكانت العمدية حلماً كبيراً لأبناء العائلات في الماضي وكان يتنافس عليها الأعيان من رجال القرية حتي تجري الانتخابات ويتم اختيار عمدة، وكانت هناك احتفالات عند انتقال تليفون العمدية من دوار العمدة القديم إلي دوار العمدة الجديد وتقام الأفراح وتنحر الذبائح، وكان يتم اختيار العمدة بشكل نزيه وشفاف بأن يكون من عائلة كبيرة ويتمتع بحسن السير والسلوك والقدرة علي الإقناع ومحباً وقريباً لأهل قريته ويعمل علي خدمتهم لذلك كان العمدة هو الملاذ والملجأ لكل أبناء القرية. إلا أن الوضع الآن اختلف عن الماضي بسبب زيادة الوعي وارتفاع نسبة التعليم بين الشباب خاصة مما يدفعهم مباشرة لحسم نزاعاتهم عن طريق الشرطة والنيابة لاختلاف طبيعة المشاكل عن الماضي والتي تحتاج خبرة قانونية لحسمها ومع زيادة السكان يصعب علي العمدة حل هذا الكم من النزاعات لافتقاده للضبطية القضائية والقوات اللازمة لمواجهة الجرائم وأحيانا السمات الشخصية التي تؤهله للتعامل مع كل ذلك. كما أن طريقة اختيار العمد المعمول بها الآن وفقا قانون رقم 58لسنة 1978كانت أحد الأسباب التي عجلت بفتح ملف العمد والمشايخ فقد منح نظام تعيين العمد في هذا القانون الفرصة لكل من لديه علاقات بدوائر السلطة فيما قبل 25 يناير أن يحصل علي هذا المنصب حتي وإن لم يكن مؤهلا له، أو أن يحجزه عن غيره وهناك حالات لعشرات القري التي تولي منصب العمدة فيها من يفتقدون القدرة علي إدارة منزل وليس قرية، كما أن البعض ينظر إلي المنصب ومن فيه علي أنهم 'فلول' ينتظرون إشارة الانقضاض علي الثورة وهدم مكتسباتها، ورد الجميل إلي من عيّنهم أو أبقاهم في مناصبهم. وللحقيقة فإن اضطلاع العمد بأداء دور خدمة السلطة ليس وليد اليوم فقد بدأ مع ظهور أول قانون خاص بهؤلاء عام1895, وكان القانون من بنات أفكار اللورد كرومر, المعتمد البريطاني في البلاد وقتئذ, والذي كان يؤمن بأن استقرار الاحتلال في مصر يبدأ من الريف, وليس من المدينة, فقد وصف الحركة السياسية في المدن بأنها لون من صخب الأفندية, أما في الريف, حيث لا صخب, فقد بذل اللورد كل طاقته بوضع العمد في قبضة وزارة الداخلية التي كان يسيطر عليها الإنجليز. ولم يختلف الأمر كثيرا مع مرور أكثر من مائة عام الأمر الذي يفسر وجود عشرات القري حاليا بلا عمد منذ سنوات، وذلك إما لعدم بلوغ 'المهدي المنتظر' سن الرشد، أو لوجود مصلحة في بقاء المنصب شاغرا مع أن قانون العمد والمشايخ ينص في مادته السابعة علي أنه 'في جميع الاحوال يجب أن يتم شغل وظيفة العمدة خلال السنة التالية لخلو الوظيفة علي الاكثر'، وهو الأمر الذي أكده حكم محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة في ديسمبر 2008 الذي حظر ترك منصب عمداء القري خاليا أكثر من عام, حيث قضت المحكمة برئاسة المستشار عادل الجوادي وعضوية المستشارين سيد العواني, ومحمد فرج وأحمد علي بالزام وزيري التنمية المحلية والداخلية بعدم ترك منصب عمداء القري خاليا وفتح باب الترشيح لمنصب عمدة ترسا بمحافظة الجيزة، وقالت المحكمة: إنه لا يحق لوزارة الداخلية أن تجمد عمدية أي قرية لأن القانون142 لسنة2004 أعطي لجهة الإدارة سلطة تقديرية لاختيار أفضل العناصر الصالحة لتولي وظيفة العمدية والنهوض بمسئولياتها إلا أن هذا القانون جعل هذه السلطة مقيدة في وقت إصدار قرار التعيين, وأكد القانون أنه يجب أن يتم شغل العمدية خلال السنة التالية لخلوها علي الأكثر، ومن هنا فإنه يحق لأي مواطن بأي قرية تم تجميد المنصب فيها لأكثر من سنة عقب خلوه أن يقيم دعوي مباشرة أمام القضاء الإداري لإلزام جهة الإدارة بفتح باب الترشيح للمنصب فورا واختيار عمدة من بين المرشحين. وبعيدا عن المسائل الإجرائية ورغم كل ما يوجه لبعض العمد من انتقادات فإننا لانستطيع أن نصف جميع العمد 'بالسلبية' فكثير منهم مازالوا محافظين علي مكانة العمدة بتلمُّسهم حاجة الأهالي وحلهم المشكلات في إطار القرية قبل وصولها إلي مراكز الشرطة، وهذا النوع من العمد هو الذي ينظر إلي المهمة كتكليف وليس وجاهة اجتماعية ويدرك جيدا حجم المسؤولية الملقاة علي عاتقه. ومع ذلك تدور تساؤلات عن 'العمدة'.. هل انتهي زمنه؟ أم مازالت الحاجة إليه ماسة وضرورية؟ وهل طرأت تغييرات علي مهامه مع التطورات التي لحقت بحياة الناس واحتياجاتهم وما يتطلعون إليه من خدمات؟ وهل يكون المنصب بالانتخاب أم بالتعيين؟ ومن يصلح لمنصب العمدة فيما بعد 25 يناير؟ كل هذه تساؤلات تنتظر البحث عن إجابات لها بعد أن جري طرح مشروع قانون في مجلس الشعب السابق يطالب بانتخاب العمد. وأعتقد أن المطلوب هو إضافة أدوار جديدة لعمدة القرية تتناسب مع الوقت الحاضر بعد أن يتم تأهيل المرشح للمنصب تأهيلا مناسبا وذلك كأن يتم تسميته مثلاً ب'رئيس القرية' الذي يشكل فرق عمل من رجال الدين من أبناء القرية ومن أعضاء مركز الشباب والمدارس والمعاهد الأزهرية والجمعيات الأهلية والزراعية والمجالس المحلية والرائدات الريفيات وكافة الجهات الخدمية بالقرية ولا يقتصر دوره علي الصلح بين عائلة وأخري بل يجب بحث أولويات المشروعات الخدمية للقرية بالتنسيق مع شيوخ البلد الذين يجب أن يمثلوا في مجلس إدارة القرية.