رغم أنه من القرارات المؤلمة على نفس كل مصري إلا أن الظروف اقتضت ذلك ، عقب النكسة أصدرت القيادة السياسية في مصر 1968 م قرارًا بتهجير أهالي مدن القناة السويس والإسماعلية وبورسعيد ،وتم توزيع السكان على 14 محافظة في دلتا مصر وعلى رأسهم دمياط والمنصورة، وبالتحديد رأس البر التي تحولت إلى بورسعيد صغيرة ، في هذه الآونة استقبلت الجمهورية كلها مدن القناة إخوانهم بكل سرور فقاسموهم المسكن والمأكل والمشرب في صورة قلما وجُدت في أي بلد من بلدان العالم بأسره ،وتحقق النصر المبين في 1973 م بفضل هذه الروح العظيمة ، أتذكر هذا الحدث الأن ونحن في ظروف تتشابه إلى حدٍ كبيرٍ مع الظرف الذي نعيشه الأن ، هناك ظرفاً الأن اقتضى أن نلزم المنازل بسبب انتشار فيروس كورونا ، ومن التعليمات التي يجب إتباعها المكث بالمنزل ، لكن هناك أُناسٌ اقضت ظروفهم أن يتواجدوا بالشارع كل يوم للحصول على قوتهم وقوت أولادهم ، هؤلاء يعيشون يوما بيوم ، ليس لديهم رصيدٌ في بنك ، أو لديهم مخزونا في البيت يعينُهم على العيش ، هؤلاء هم المتضرر الأكبر في هذا الأمر ، وغني عن البيان أن الإسلام الحنيف يأمرنا بالتكافل الاجتماعي في هكذا حالات مُلحة تقتضي أن نأخذ بيد بعض، انظروا يا سادة قول الله تعالى ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾ فلو كلُ واحد تكفل بجاره أياً كانت ديانته أو قرابته لقضى الأمر ، وقال أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا طبختَ فأكثر المرق، ثم انظر بعض أهل البيت مِن جيرانك، فاغرف لهم منها)). لقد سعدنا وسعد الكثيرين من الناس بالمبادرات التي خرجت من بعض نفر من لاعبي كرة القدم في بلادنا لكفالة المحتاجين ،فمنهم من قال كفلت أربعين ومنهم من قال خمسين ومنهم من تبرع بالملايين ، وننتظر أن نسمع من الفنانين ورجال الأعمال أن يأخذوا بيد المستضعفين من إخوانهم وبني جلدتهم الذين لا يجدون قوت يومهم ، لسنا اقل من أندريا أنييلي مالك نادى يوفنتوس، بمبلغ قيمته 10 ملايين يورو للمساهمة في جهود إيطاليا للقضاء على فيروس كورونا ،ولا مصمم الأزياء الشهير جورجيو أرماني ب 125 مليون يورو ، ولا "بيل جيتس" ثاني أغنى رجل فى العالم الذي تبرع ب 100 مليون دولار للمساعدة فى اكتشاف الفيروس ،ولا لي كا شينج" أغلى رجل أعمال فى هونج كونج تبرع 13 مليون دولار للعاملين في القطاع الطبي فى مدينة ووهان مصدر انتشار الفيروس، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فهل نسيتم وعد الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يشتري البئر "بئر رومة" بالجنة فشتراها عثمان بن عفان؟ ،هل نسيتم كيف جهز صحابيان جيش المسلمين في غزوة العسرة من مالهما الخاص ؟ هذا يوم التكافل في أبهى صوره ، للأغنياء والميسورين دور الأن يجب ألا يفُوتهم ، عليهم أن يكفلوا من هو أحق بالرعاية والكفالة والمرضى ، لقد ظهرت أصالة شعبنا الطيب خلال الأيام الماضية في قرى ريفينا الطيب وهم في اغلبيتهم من البسطاء ،هؤلاء الشباب امتلك زمام المبادرة ولم ينتظر الحكومة وبدأ يعمل على تعقيم المصالح الحكومية ومحطات السكك الحديدية والمدارس والمعاهد ،لا بل أكثر من ذلك فيقدم الواجبات الغذائية بعيداً عن الإعلام وبرامج التوك شو ، لأنهم إنما يبتغون رضا الله تعالى والحفاظ على وطنهم ،مصر ستخرج بإذن الله منتصرة من هذا الوباء بفضل الله وكل الخيرين من أبناء وطنها ، بقى على الحكومة أن تضرب بيد من حديد على التجار الذين رفعوا الأسعار دون مراعاة لله ولا الوطن ،رحم الله الرئيس صدام حسين الذي أعدم بعض التجار إبان الحصار الاقتصادي على بلاده لما رفعوا أسعار السلع بغرض تحقيق الربح السريع ، يجب أن نرى في المتلاعبين اية حتى يكونوا عبرة لغيرهم ، دامت مصر عزيزة بأبنائها.