بدأت الحكومة الإثيوبية، تدق طبول الحرب بصورة هستيرية، حيث تتسابق أكثر من ثلاثين قناة فضائية وكل الصحف ووسائل التواصل الاجتماعى فى حشد الشعب الإثيوبي، ضد مصر، واحتلت مقولة «السد سدنا والماء ماؤنا والأموال أموالنا» المشهد السياسى والإعلامى والشعبى- وقد أضيف لها «سندافع عنه بجنودنا وأنفسنا وإذا استشهدنا سندافع عنه بعظامنا». وبدأت الصحف الإثيوبية تتحدث عن شكل الحرب القادمة مع مصر، حيث رجحت بعض الصحف أن تكون الحرب الأساسية برية لتفوق مصر جويًا. إنها إذن هستيريا الحرب التى تحاول النخبة الحاكمة إشعالها لجمع وتوحيد البلاد المقسمة من ناحية وللتغطية على الفشل الذريع للحكومة فى كافة المجالات ومن ناحية ثانية تقود رئيسة الجمهورية الإثيوبية، حملة شعبية شاملة لجمع التبرعات الشعبية لسرعة الانتهاء من بناء السد. رئيس الوزراء آبى أحمد أعلن أن إنجاز السد والحفاظ عليه هو شرف وطنى، كما تسابقت قيادات المعارضة جنبًا إلى جنب مع الحكومة فى إظهار تشددها فى مساندة ما أسموه بحقوقهم فى السيطرة على السد والماء. وقال رئيس الوزراء الإثيوبى مساء الخميس الماضى إن بلاده لن تتخلى عن شرفها فى أزمة سد النهضة. وأضاف خلال اجتماع مع كوادر القيادات الفيدرالية والإقليمية لحزب الازدهار الجديد: إن أزمة سد النهضة بالنسبة لنا قضية شرف وطني، لن نتخلى عنه أبدًا مهما كانت المكاسب التى سنحصل عليها من الخارج». وتابع أحمد قائلاً فى تصريحات نقلتها إذاعة «فانا» الإثيوبية: «سد النهضة تم تأسيسه وإدارته بطريقة لا تتعارض مع مصالح الدول الأخرى». واستمر بقوله: «على الرغم من أنه يتعين علينا الانتهاء مبكرًا، لكننا أيضًا نحرص على إنهاء مشكلة السد من دون وقوع أى أضرار كما حدت فى السابق، فنحن نعمل على ضمان مصلحة شعبنا». إلى ذلك قال دمقى مكنن نائب رئيس الوزراء لدى مخاطبته اجتماع المجلس الوطنى لبناء سد النهضة: إن التدخل الخارجى والتحرك للضغط على إثيوبيا فى تلك المفاوضات العسيرة «أمر غير مقبول». وأضاف المسؤول الإثيوبي: أى تحرك لإخبارنا على ما يجب أن نفعله، وما يجب ألا نفعله غير مناسب. واستمر بقوله: ينبغى أن تكون جولة المفاوضات المقبلة مدارة بحكمة وإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية الإثيوبية. واستمرارًا للتصعيد الإثيوبي ضد مصر والدول العربية، رفضت أديس أبابا، بيان جامعة الدول الذى يدعوها لاحترام القوانين الدولية والالتزام بتعهداتها، واعتبرت البيان مهددًا لمسيرة العلاقات العربية- الإفريقية. وردت الخارجية المصرية بأن قرار الجامعة العربية يعكس خيبة الأمل والانزعاج الشديد إزاء المواقف الإثيوبية طوال مسار المفاوضات الممتد حول سد النهضة، وبالأخص منذ إبرام اتفاق إعلان المبادئ عام 2015، حيث إن النهج الإثيوبى يدل على نية فى ممارسة الهيمنة على نهر النيل وتنصيب نفسها كمستفيد أوحد من خيراته. وهكذا يبدو أن إثيوبيا، تتحرك لجرِّ المنطقة إلى حرب طويلة ومدمرة، ليس مع مصر وحدها ولكنها تسعى للفتنة بين العرب والأفارقة، وهذا إصرار على زرع الكراهية ونشر ثقافة الموت بدلا من تسييد السلام والاستقرار. موقف السودان على الرغم من تطابق الموقف السوداني، تقريبًا مع الموقف الإثيوبي، حيث يرفض السودان حتى الآن التوقيع على اتفاق واشنطن وخالف السودان الإجماع العربى ورفض التوقيع على بيان التضامن مع مصر، إلا أن إثيوبيا فاجأت السودان مؤخرًا باجتياح شرق السودان عبر ميليشيات «الشفتة» التى استهدفت الحدود السودانية وتوغلت ميليشيات الشفتة الإثيوبية داخل الأراضى السودانية واعتدت على مزارعين وعمال بمنطقة الفشقة الصغرى على امتداد 290 ألف فدان، داخل الأراضى السودانية. ومن جهة أخرى، بدأت تتشكل فى السودان مجموعات مناهضة للمواقف الرسمية بشأن سد النهضة وأعلنت مجموعة من المطالب من بينها: حتمية التأكد من معدلات أمان السد كما التزمت به إثيوبيا فى إعلان المبادئ 2015، وتوفير الأمن المائى للسودان كما التزمت به دول حوض النيل بالإجماع بما فيهم إثيوبيا وبشهادة 13جهة دولية بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية والبنك الدولى والأمم المتحدة، بالإضافة إلى تحميل إثيوبيا التعويض عن كل الأضرار البيئية والاقتصادية والاجتماعية التى أوصت بها لجنة الخبراء الدوليين 2013 والتزمت إثيوبيا بإجرائها خلال 15 شهرًا ووردت فى إعلان مبادئ سد النهضة 2015. ويرى المراقبون أن هستيريا الحرب التى تشعلها إثيوبيا، يغذيها فشل الحكومة فى تحقيق مصالحة داخلية من جهة وفشل اقتصادى من جهة ثانية، إضافة إلى حشر إثيوبيا فى الزاوية بعد نجاح الدبلوماسية المصرية فى كشف التصلب الإثيوبى عالميًا وسقوط كافة الحجج الإثيوبية أمام القوانين الدولية، ومن جانب آخر يذهب فريق من المراقبين إلى أن أديس أبابا تحاول استثمار الاتفاق مع مصر بأقصى درجة ممكنة وذلك عن طريق الضغط إلى حافية الهاوية ثم العودة للتوقيع على اتفاق واشنطن مقابل حزمة اقتصادية كبرى تخرجها من أزماتها الطاحنة. ويدلل هؤلاء على أن إثيوبيا تراهن على أن مصر لن تذهب إلى الخيار العسكرى؛ لأن إثيوبيا تملك الأرض التى تتحرك عليها الجيوش، وإن كان التفوق الجوى الساحق لمصر يبطل هذا التدليل.