بحكم المهنة يستهويني المسح الشامل ومنه إلي التفاصيل، فلدينا مسح جيولوجي وخرائط تفصيلية، والمرء في الغالب أسير مهنته إن أحبها. في المسح الشامل - وبعيدا عن التفاصيل - تتبدي نتوءات عديدة، أولا: رأسان لمصر، ثانيا: قضاة يستنجدون، ثالثا: معارضة هشة، رابعا: نخبة جاهلة تسعي لتقسيم الوطن دون أن تدري. النتوء الأول: رأسا مصر. في إدارة الدولة نري د.محمد مرسي الرئيس المنتخب يلتقي الوفود ويصرح للصحافة ويرسل تطمينات وتقديرات للقوات المسلحة، هما أقرب إلي التملق خشية غضبها والإنقلاب علي سوء تصرفاته، والفريق عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع يقابل الوفود ويدلي بتصريحات صحفية ويرسل تطمينات وتقديرات لمؤسسة الرئاسة، وهو سلوك لم نعهده من قبل، فكل السلطة كانت في يد رئيس الجمهورية، ووزير الدفاع كان محصورا في حدود مهنته ومهنيته، ولأننا بصدد التشخيص وليس التحليل فنكتفي بالمسح لتشخيص الوضع وتوضيح الصورة وفيها رأسان لإدارة الدولة، احدهما متردد خائف وهو مدني منتخب بحكم الضرورات تنتخب المحظورات، والآخر عسكري واثق في نفسه وجيشه، متمكن من أدواته، ويمسك في يده زمام أمان وأمن الدولة. وهي حالة إن استمرت سوف تؤدي إلي تآكل الدولة بالبطئ فلا المدني قادر علي حسم الأمور وتأكيد سلطته وشرعيته وحسن إدارته، ولا العسكري لديه جرأة المغامرة والإزاحة بمساعدة الضعفاء المستنجدين به، ويظل الشعب متفرجا علي لعبة الشد والجذب، ضررها أكثر من نفعها، والحل في يده بإجبار السلطة الحاكمة علي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يستدعي القوات المسلحة للإشراف عليها ولا يستدعيها للحكم. والعسكرية المصرية هي أحد اهم ركائز الوطنية المصرية بلاجدال. النتوء الثاني: استنجاد القضاة الذي يستفز فضولنا ودعونا للتساؤل ما الذي حدا ببعض قضاة مصر بتوجيه الدعوة للشعب وعمل توكيلات للقوات المسلحة تطالبها بإدارة البلاد في ظل حكم الإخوان؟ ومعروف ان القضاة هم من أشد اعداء الحكم العسكري، فالحكم العسكري يعتمد علي التنفيذ أولا ثم الاعتراض ثانيا، ودائما ما يفضي الحكم العسكري إلي الاستبداد، والاستبداد عدو الديمقراطية وليدة الحرية التي يصاحبها الاختيار والاعتراض قبل التنفيذ. وما الذي دعا قضاة مصر - بغض النظر عن غالبيتهم أو أقليتهم - بأن يطالبوا اتحاد القضاة العالمي بالتدخل لحل أزمتهم مع سلطة الإخوان الحاكمة برئاسة د محمد مرسي.؟ وهل هو استقواء الماسك بشيئ أم استنجاد الغريق؟ وهل ينطبق عليه فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه؟ وايهما أجدي الاستنجاد بمؤسسات أهلية ومهنية عالمية أم بقوات وطنه المسلحة؟ وماذا يصنع القضاة عندما تعتدي عليهم سلطة تنفيذية غاشمة لإبادة مؤسستهم القضائية بدعاوي تطهير كاذبة؟ أسئلة بحاجة إلي إجابة. النتوء الثالث: معارضة هشة مفتتة متناحرة تسعي للحصول للحصول علي السلطة بلا عمل جاد ولا تضحيات، بعيدة عن نبض الشارع الثائر الذي سبقها. يعتري قيادتها الخوف والتردد وعدم الوضوح، كاللص الذي يعرف ما يريد سرقته ويخشي البوح به في العلن ويسطو عليه ليلا، أو كالراقصة التي تريد أن ترضي كل الأذواق فتنهك جسدها وتقع فريسة لمن يغريها ويمنحها مالا أكثر. معارضة تريد قطيعا تسوقه إلي ماتريد لاشعبا ندا يناقشها فيما يريد ويصوب مسارها. معارضة ترفض الدستور وتطالب التغيير، وترفض آلية التغيير الديمقراطية وتصرح بانها لن تدعو لانتخابات رئاسية مبكرة '!' إذن فكيف يكون التغيير الديمقراطي يا أيها المعارضة الحيية؟ معارضة لا تنزل الشارع من أجل التغيير الثوري ولا تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، فإذن ماذا تريد؟ يبدو أنها تعمل علي قاعدة 'هاتوا لي حبيبي' النتوء الرابع: نخبة جاهلة فيها من يمجد ومن يزم، كيف يكون يكون شعور المواطن وهو يري السلطة الحاكمة تمجد في صعيد مصر لأنه منحها أصواته وساعدها في الحصول علي الحكم، ومعارضة تزمه وتطالب بانفصاله عن مصر، بدعوي استقلاله، وتتهمه بالبؤس لأنه لم يمنحها أصواته لدعم مرشحها.. وتزيد فتزايد وتقوم بخصم عدد أصوات ناخبيه التي ذهبت للتيار الطائفي في انتخابات الرئاسة في يونيو 2012 حتي ينجح المرشح الرئاسي المقصود والمدعوم بنخبة عنصرية تطالب بفصل الصعيد كي يكون ترتيبه الأول في انتخابات الرئاسة. القضية ليست تعصبا لإقليم جغرافي بقدر ماهي حسرة علي تفكير نخبة يستبد بها غيها في كراهيتها لخصومها، فتقتطع جزءا من جسد الوطن وتخصمه من رصيده كي ينجح مرشحها في الفضاء الافتراضي. إنهم جهلاء بقدر هذا الوطن وحمقي بتصرفاتهم العنصرية غير المرئية الكامنة في اللاوعي. الصعيدي رجل بسيط غير عنصري يري في مصر كلها موطنه ومرقده، ويعرف معني الوطن ووحدة أراضيه ويعشق مصر حتي الثمالة ويهيم بالعروبة حتي الموت. كل هذه النتوءات تشكل رأسين للدولة وذيول عديدة لها من المعارضة الهشة والنخبة الحمقي. نتوءات تهدد سلامة الوطن ووحدة أراضيه واستقراره وسيادة دولته.