نحن، هنا، لاننصب مشنقة السؤال الاخلاقي للمخرج خالد يوسف حين نقول أن فيلمه الاخير "كلمني شكرا"، هو الأسوأ في اجندة افلامه علي الاطلاق ليس من الناحية السينمائية ولغة السرد البصري وغيرها من مصطلحات قد يراها القاريء مصطلحات مقعرة، ولكن ايضاً جاء موضوعه صادماً وربما مخيباً للآمال في مخرج منذ خطوته الأولي استند علي جدار التزامه تجاه قضايا وطنه ومجتمعه متأثراً بأيدلوجيته الناصرية، فالفيلم 'فكرة الممثل عمرو سعد وسيناريو وحوار سيد فؤاد' الذي يفترض به ان يرسم لوحة ساخرة لمجتمع العشوائيات الذي يئن تحت وجع الفقر ويحاول بالرغم من.. وجعه ان يستمتع بالحياة وبالتطور التكنولوجي فيها 'الموبايل والنت والستلايت'، قدم نماذجاً من بشر يعيشون حياة غير آدمية ليس بصفتهم شهوداً علي الانحدار والخراب الكبير الذي اصاب المجتمع في مقتل وانما بوصفهم جزء متفاعل مع هذا الخراب ومستسلم له، بل وأيضاً أصبح هؤلاء مخربون وسارقون لنجاحات كبار رجال المال والاعمال الذين تغزل فيهم الفيلم. وهي معادلة غريبة تأتي علي النقيض من فيلم "حين ميسرة"، مثلاً، الذي قدم من خلاله خالد يوسف مع السيناريست ناصر عبدالرحمن صورة مختلفة ترسم تفاصيل مأساة العيش في العشوائيات و فظائع الحياة اليومية فيها، حيث يتجاور الفقر والجنس والمخدرات والإرهاب الأصولي والسلطة الأمنية جنباً إلي جنب. وتصوير البؤس الكامن في هذه البيئة 'اعتذر خالد يوسف في نهاية الفيلم من أبناء العشوائيات لأن الفيلم جزءاً يسيراً من الواقع الأكثر قسوة'.. حتي وان كان خالد نفسه يري أن فيلمه "كلمني شكرا" هو مجرد تجربة كوميدية اعتمد فيها علي طرح عدد من الظواهر التي طرات علي حياتنا كالانترنت ووصلات الدش والموبايل ومدي تأثير كل ذلك علي سلوكياتنا، الا أنه مجرد نكتة بائسة وفارغة من مضمون حقيقي للضحك.. نكتة لاتشبه النكات المصرية الحقيقية والتي تثير الضحك فيما يتعلق بقسوة الحياة اليومية، هنا صار الفيلم مثل النكتة الجنسية الطاغية و السائدة حالياً في مجتمع مصاب بألف عاهة ومرض. ونحن لانشير هنا الي "قمصان نوم" غادة عبدالرازق في الفيلم ولا الي الحوار المبتذل والبذيء، ولكن الي التورط في الضحك علي البسطاء والغلابة والعشوائيين والمصريين بحجة ان الفيلم يفتش و"يدعبس" بخفة ودلع في سلوكيات المصريين في زمن العولمة وثورة الاتصالات. صحيح اننا لسنا من حراس "الأخلاق الحميدة" الذين يدعون حماية مزعومة للأخلاق الرفيعة في مجتمعات منهارة وممزّقة وفقيرة، وينصرفون إلي ضرب الأعمال الفنية المتفرقة بحجة الدفاع عن "سمعة مصر"، فنحن ندرك جيداً ان سمعة البلد لايسيء اليها عمل فني، ونعرف اجابة السؤال: ما الذي يسيء إلي سمعة البلد: الإبداع الذي ينقل بعضاً من واقعه، أم الواقع نفسه؟، نحن لسنا من هؤلاء المدافعين الأشاوس عن "السمعة" لأننا نعي جيداً أن من يلجأ إلي اتهام "الإساءة إلي سمعة البلد والمجتمع"، لأنه عاجز وفاشل في إثارة نقاش نقدي. فيستسهل إطلاق الأحكام الجاهزة، ولكن "كلمني شكراً" بتورطه في فخ "النكات السخيفة" لايتيح الفرصة للضحك او للهتاف سواء معه او ضده، وهذا لايعني كلية ماتوصل اليه بعض النقاد بأن خالد يوسف انقلب علي تاريخه، فهذا افتراض صعب، لأن خالد يوسف 'الناصري .. ابن كفر شكر' لايحتاج الي دليل علي التزامه النضالي اكثر من افلامه التي تنوعت موضوعاتها مابين الهموم الاجتماعية والقضايا السياسية، منذ "العاصفة" ومروراً ب"هي فوضي" مع استاذه يوسف شاهين وحتي "حين ميسرة" و"دكان شحاتة"، والتزامه هذا هو جزء من انشغاله طول الوقت بالفرد داخل المجتمع.. حتي لوكانت افلامه لم تتميز بلغة سينمائية عالية، كسائر تلاميذ يوسف شاهين، لكنه لم يتخل عن التزامه في موضوعاته الخارجة من رحم المجتمع والواقع الانساني.