كان غريبا ومعيبا أن يخرج وزير الخارجية الأمريكى مؤخرا ليمنح إسرائيل شرعية اغتصاب الأراضى عندما دعم بناء المستوطنات فى الضفة الغربية، وهو ما أثلج صدر نيتنياهو لا سيما وأن هذا الموقف الأمريكى الجديد حيال الاستيطان يعد دعما للنتن الذى يصارع من أجل البقاء فى السلطة بعدما فشل فى تشكيل ائتلاف حكومي. تبنت أمريكا بذلك نهجا يعد خارجا على كل المواثيق والقوانين الدولية. بل إنها ناقضت بذلك النهج الذى تبنته إدارة أوباما التى سمحت بصدور قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذى يعتبر المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية انتهاكا صارخا للقانون الدولى. ولهذا كان بومبيو حريصا على أن يعلن جهرا رفض أمريكا للمقاربة التى اعتمدتها إدارة أوباما حيال بناء المستوطنات. تأتى تصريحات «بومبيو» المؤيدة للاستيطان كضوء أخضر لإسرائيل للمضى قدما فى بناء المزيد منها على الأرض العربية. وبذلك تكون أمريكا قد خرجت عن الرأى القانونى الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 1978، والذى يعتبر إقامة المستوطنات فى الأرض الفلسطينية يتعارض مع القانون الدولى، وبالتالى يعتبر ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب فى عام 49، يعتبر أن إقامة المستوطنات تعد مناقضة لكل المبادئ الدولية حيث يحظر على المحتل توطين سكانه فى الأراضى المحتلة، وبالتالى فإن خلق الأمر الواقع بالقوة لا يمكن أن يكسب حقا. وفى هذا النطاق صدرت مجموعة قرارات دولية تؤكد ذلك وتنكر أى صفة قانونية للاستيطان أو الضم، وتطالب بالغائه وتفكيك المستوطنات لا سيما وأن بناءها يعتبر تعديا على حقوق الشعب الفلسطينى وانتهاكا للقولنين الدولية. لا شك أن تصريحات بومبيو صادمة لا سيما عندما قال:( بعد دراسة جوانب النقاش القانونى بعناية فإن الإدارة الأمريكية توافق على أن انشاء مستوطنات مدنية إسرائيلية فى الضفة الغربية لا يتعارض فى حد ذاته مع القانون الدولى، كما أن منع بناء المستوطنات لم يحقق تقدما يذكر على مسار قضية السلام)!!. شطب بومبيو بجرة قلم منطوق السياسة التى اعتمدتها أمريكا من قبل، والتى تعتبر أن إقامة المستوطنات على الأراضى الفلسطينية غير قانونى ويتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، ويضع أمريكا فى موقف متناقض مع الشريحة الأكبر من الدول التى أدانت المستوطنات، وبالتالى فإن تصريح بومبيو الصادم يعد تحولا جذريا فى السياسة الخارجية لأمريكا. وهى التصريحات التى أشاعت الارتياح لدى نيتانياهو الذى أكد قائلا:( بأن المستوطنات لم تعد غير متسقة مع القانون الدولى، وأن تصريحات بومبيو جاءت لتصحيح خطأ تاريخى، وأن سياسة أمريكا تعكس حقيقة تاريخية بأن اليهود ليسوا مستعمرين أجانب فى ياهودا والسامرا). وبعد موقف إدارة ترامب من المستوطنات باطل ومرفوض ومدان حيث إنه يتعارض مع القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان، ويتعارض مع القرار رقم 2334. لقد ظهرت أمريكا وكأنها مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية، وبالتالى بات لها الحق فى أن تمنح الشرعية الدولية للاستيطان الاسرائيلى بوصفها باتت اليوم هى التى تملك زمام الأمور والتحكم فيما يجب ومالا يجب أن يكون. شجعها على ذلك صمت المجتمع الدولى الذى كان يتعين عليه أن يتحرك ويدين تصريحات أمريكا الجوفاء وغير المسؤولة وغير القانونية والتى من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدوليين. لقد فقدت أمريكا بمواقفها تلك كل مصداقية، وتراجع دورها ولم يعد له مكان فى عملية السلام. بل إنها قوضت فرص تحقيق السلام الشامل. ولهذا فإن المردود لهذا سيستوجب منها أن تتحمل اليوم تداعيات هذا الموقف الخطير الذى تبنته، والذى أسقطت من خلاله الشرعية الدولية من أجل إرضاء الكيان الصهيونى الطفل المدلل لإدارة ترامب.....