بالأمس يكون قد مر عام علي رحيل قداسة البابا شنودة الثالث في 17 مارس 2012، ولكن صدقني ياسيدي إنك لم ترحل في هذا التاريخ، فروحك الحرة وما تتمتع به من شفافية مازالت تعيش فينا وتغدق علينا معاني رائعة نقية.. قداستكم تراث إيماني عبق يعيش بيننا.. نستأنس به.. نستدعيه وقت الشدة ليباركنا ويشد من أزرنا خاصة في أوقات المحنة التي تغلف مجتمعنا اليوم. أتعلم سيدي بأنك جعلتني لا أنظر إلي الوراء في غضب وإنما أنظر إليه في رضا تام لأنه ومن خلاله أستدعي القيم والثوابت التي كنتم تتحدثون عنها وتفعلونها علي أرض الواقع، كلماتكم سيدي باقية تمور في داخل كل من استمع إليها، إنه رجع الصدي الذي تفرضه قوانين الطبيعة. سيدي تركتم تاريخا مشرفا وتراثا روحانيا وإنسانيا باقيا مابقيت الأرض، تركتم لنا كلماتكم الوضاءة بنور المعرفة وقدسية النبرة، كنتم الملهم بالنسبة للكثيرين، كنتم الرمز الإشعاعي الفريد من نوعه، أتذكر قداستكم وأتذكر معها ذاكرة خارقة مشعة لاتنطفئ، ذاكرة سطرتم بواسطتها وبواسطة فكركم الثاقب رمزا تحول إلي أسطورة حقيقية، فغدوتم النموذج الذي تحول إلي أيقونة متوهجة تستوجب الاحتفاء وقد كان لها هذا الوميض الساطع الذي أنار سماء الفكر، ولن ينسي لكم أحد بأنكم جسدتم بتاريخكم الوضاء ذاكرة عصر كامل. عرفتك ياسيدي القديس صامدا قويا صاحب مبدأ لم يتبدل ولم يتزحزح.. جسدتم ياسيدي الصورة المثلي لرجل الدين، وهي صورة لم تنفصم عن الجانب الإنساني والأخلاقي ويكفي ارتباط قداستكم بقضايا مصر والعالم العربي وهموم الشعوب في المنطقة.. عرفت فيكم مواقف إنسانية رحبة وتجلت عبقريتكم في خلود أفكاركم ومقولاتكم، فأنت القائل: 'مصر ليست وطنا نعيش فيه وإنما وطن يعيش فينا'. كان مجرد الوجود في حضرتكم كفيلا بأن يغسل الروح مما علق بها من شوائب، فقداستكم راصد جيد لحقيقة الحياة وعاشق لها في بساطتها، تتمتعون بشخصية إنسانية آسرة وبقدرة غير مسبوقة في تحليل النفس البشرية. لهذا كله عم الحزن أرجاء مصر والوطن العربي برحيلكم الذي صادف يوم السبت السابع عشر من مارس 2012، فقدت مصر برحيلكم هرما من أهراماتها، وفقد العالم العربي وطنيا عروبيا مخلصا لقضايا أمته.. ألم أقل لكم سيدي بأنكم الأيقونة الساطعة التي تنير الطريق للجميع وتضيء تاريخنا وحاضرنا؟. افتقدتكم سيدي كثيرا وعزائي أنكم صرتم في رحاب الرب....