الجماعة تعتبر نفسها 'الثورة' وكل قوي المجتمع 'ثورة مضادة' وأتباع النظام السابق من يسقط النظام؟ معركة استكمال الثورة علامات فارقة.. ومحطات فاصلة.. يكشف خيوطها هذا التقرير السري، والخطير لجماعة الإخوان المسلمين. التقرير السري، والذي جاء في اثنتي عشرة صفحة يفسر حقيقة ما يجري علي الساحة من ممارسات، ويرسم مستقبل عمل الجماعة، في سياق سلسلة من الخطوات، تستهدف تكريس قبضة جماعة الإخوان المسلمين علي مجمل الأوضاع في مصر. هي وثيقة بالغة الخطورة، تحمل تنظيرات فكرية، لرؤي ومخططات سياسية، تمنح الجماعة أحقية مطلقة في رسم سياسة البلاد، عبر الارتكاز إلي جملة من الأباطيل التي تخلط عن عمد أوراق ما شهدته مصر في العامين الماضيين. ولا يستنكف واضع الوثيقة، ومحررها الدكتور رفيق حبيب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة تقسيم المجتمع إلي فريقين، أحدهما يجسد الثورة المصرية، كما يري من وجهة نظره، وهو جماعة الإخوان، والآخر يمثل الثورة المضادة، ممثلاً في جميع الطوائف المصرية والقوي الوطنية، التي أاتلك محرر الوثيقة جرأة اتهامها بالتبعية للنظام السابق. ولأن الوثيقة التي حصلت 'الأسبوع' عليها كاملة تعطي إجابات واضحة، لأسئلة ظلت غامضة، ومعلقة في المجتمع، فقد رأينا نشرها حرفيًا، مع شرح، وتوضيح أهدافها، وما اشتملت عليه، عبر اشتباك واسع معها، أعده الكاتب والمفكر أحمد عز الدين، الذي أوضح في تعقيبه المنشور علي الصفحة حقيقة ما تخطط له جماعة الإخوان في مصر. شكل النظام السابق منظومة حكم تسلطي متكاملة، مكنته من فرض سيطرته بالكامل علي الدولة والاقتصاد، والعديد من مناحي الحياة؛ كما مكنته من السيطرة علي القوي المعارضة، من خلال الهيمنة علي المجال العام، ومختلف أنواع الأنشطة العامة. ولم يحقق النظام السابق هذه السيطرة من خلال السيطرة علي رأس نظام الحكم فقط، بل من خلال السيطرة علي مختلف أدوات السلطة والنفوذ والمكانة، ومن خلال بناء شبكة مصالح مترابطة، ومنتشرة في مختلف أرجاء الدولة والمجتمع، ومهيمنة علي مختلف المؤسسات الفاعلة في المجتمع. والثورة أسقطت رأس النظام، وأي ثورة لا تستطيع إلا إسقاط رأس النظام، وتبقي البنية التحتية للنظام، تقاوم هذه الثورة، وتعمل علي وقف مسار الثورة، وما ينتج عنها من تغيير وإصلاح، وعندما تتحرك القواعد والكتل الاجتماعية المؤيدة النظام السابق، للدفاع عن مصالحها، تدخل الثورة في أهم معركة لها، وهي معركتها الأولي، أي معركتها مع النظام السابق. لهذا يصبح التخلص كليًا من النظام السابق، هو اللحظة التي تنجح فيها الثورة، وتسقط النظام فعلاً، وتبدأ مرحلة جديدة، بعد طي صفحة النظام السابق كليًا. ولكن إذا فشلت الثورة في القضاء علي النظام السابق كليًا، وبقي بأي صورة من الصور، فإن استمراره يعني أن الثورة لن تستكمل أهدافها، لأن بقايا النظام السابق، سوف تصبح عقبة سياسية، تمنع الثورة من تحقيق كل أهدافها، وتجعلها ثورة ناقصة أو غير كاملة. وموقف قوي وأنصار النظام السابق من الثورة، يبدأ بمرحلة صد الثورة ومحاولة إفشالها، أي مرحلة إجهاض الثورة، ثم مرحلة الثورة المضادة. أما المرحلة التالية، فهي مرحلة الدخول في العملية السياسية، لتصبح قوي النظام السابق جزءًا من القوي السياسية الفاعلة بعد الثورة، وتحاول القيام بدور مركزي في توجيه العملية السياسية، والتأثير علي ما ينتج عنها من تغيير وإصلاح. لهذا يبرز العديد من الأسئلة المحورية: فهل يسقط النظام السابق كليًا؟ ومتي يسقط؟ ومن يسقطه؟ وتمثل مصر حالة خاصة في دول الربيع العربي، لأن ما يتحقق في مصر سوف يؤثر علي بقية دول الربيع العربي، كما سيكون له تأثير علي بقية الدولة العربية والإسلامية، لذا يمكن القول: إن نجاح الثورة المصرية في التخلص من النظام السابق كليًا، وبناء نظام سياسي جديد، ومنع أي محاولة لإعادة إنتاج النظام السابق، سوف يمثل الانتصار الأبرز للربيع العربي، الذي يجعله بالفعل مرحلة تاريخية جديدة، لكل المنطقة العربية والإسلامية، بل لكل العالم. مراحل المواجهة بدأت المواجهات بين النظام السابق والثورة، منذ اللحظة الأولي لاندلاع شرارة الثورة، ومرت تلك المواجهة بالعديد من المراحل: في المرحلة الأولي حاول النظام السابق إجهاض الثورة قبل سقوطه، وكانت موقعة الجمل الشهيرة، هي أهم لحظات محاولة إجهاض الثورة الوليدة. في المرحلة الثانية، وبعد سقوط رأس النظام، تركزت محاولات النظام السابق علي اجهاض مسيرة الثورة، حتي لا تحقق تغييرًا فعليًا، وتصبح مجرد تظاهرات أسقطت رأس النظام، دون أن تغير النظام نفسه. وفي هذه المرحلة حاول المجلس الأعلي للقوات المسلحة الحفاظ علي النظام القائم، مع تبني التحول الديمقراطي، باعتباره أصبح ضرورة حتمية. وكانت هذه محاولة لحصر الثورة في مطالب يتم تحقيقها من خلال النظام السابق نفسه. وهي المطالب التي رفض النظام السابق تحقيقها قبل الثورة. بعد انتخابات مجلس الشعب، تأكد أن نتيجة الانتخابات تفتح بابًا واسعًا للتغيير، بسبب صعود القوي الإسلامية وتصدرها المشهد السياسي، فكان من الضروري الحد من تداعات نتائج تلك الانتخابات، حتي يتم تأمين بقاء النظام السابق، وإعادة إنتاجه بصورة ديمقراطية محسنة. عمل المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي تأمين بقاء السلطة التنفيذية في يد نخبة النظام السابق، حتي يبقي النظام قائمًا. وفي الوقت نفسه حاول السيطرة علي وضع الدستور الجديد، ليؤمن بقاء منظومة النظام السابق، من خلال إعطاء دور سياسي للقوات المسلحة، حتي تحمي بقاء النظام السياسي السابق، وتمنع بناء نظام سياسي جديد. كما عمل المجلس الأعلي للقوات المسلحة، من خلال أذرع الدولة العميقة في القضاء، لحل الكيانات المنتخبة، ممثلة في مجلس الشعب والجمعية التأسيسية، حتي ينهي الصعود السياسي للقوي الإسلامية، ويسمح بإعادة الانتخابات حتي تتمكن قوي النظام السابق من العودة مرة أخري للحياة السياسية. تصدت جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، لمحاولة إبقاء السلطة التنفيذية في يد نخبة النظام السابق، بعد انتخابات مجلس الشعب، حينما ظهر إصرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي إبقاء السلطة التنفيذية في يد نخبة الدولة. فقام حزب الحرية والعدالة بحملة سياسية لتغيير الحكومة، وتشكيل حكومة تمثل القوي السياسية المنتخبة في مجلس الشعب. وأظهرت تلك المعركة أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة، لن يسمح لقوي إسلامية بتشكيل الحكومة. وفي الوقت نفسه، تصدت جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، ومعهما القوي الإسلامية، لكل محاولات وضع مبادئ فوق دستورية حاكمة، عرفت إعلاميًا بوثيقة السلمي، وكانت تهدف إلي وضع مبادئ تحكم الدستور الجديد، وتقيد المرجعية الإسلامية، وفي الوقت نفسه تمنح القوات المسلحة دورًا سياسيًا للحفاظ علي الدولة القائمة والنظام السياسي القائم قبل الثورة. استطاعت جماعة الإخوان المسلمين والقوي الإسلامية، النجاح في التصدي لمحاولات المجلس الأعلي للقوات المسلحة، للحفاظ علي النظام السابق، وفرض نظام سياسي جديد، يعد امتدادًا للنظام السابق، ومنعت تدخل المجلس الأعلي في عمل الجمعية التأسيسية، لكنها واجهت أحكامًا قضائية سياسية، حلت الجمعية التأسيسية، وتمكن مجلس الشعب من تشكيل جمعية جديدة، قبل أن يحل المجلس نفسه. أدركت جماعة الإخوان المسلمين، أن المعركة الأخطر في مسار الثورة تتعلق أساسًا بالسلطة التنفيذية، وأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يعمل جاهدًا لمنع وصول أي قوي إسلامية للسلطة التنفيذية،، وأنه بهذا يؤمن بقاء قوي النظام السابق مسيطرة علي السلطة التنفيذية، حتي تتمكن من إعادة إنتاج نفسها مرة أخري بصورة جديدة. وكان من الواضح، أن قوي النظام السابق، تراهن علي وصول رمز منها لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية. وبات واضحا أن قوي النظام السابق، تحاول إعادة دورها السياسي، ولكن من خلال الانتخابات، حيث تأكد أن التحول الديمقراطي لا مفر منه. دخلت جماعة الإخوان المسلمين معركة الانتخابات الرئاسية، في أسوأ لحظة بالنسبة لها، حيث بلغت الحملة الإعلامية ضدها ذروتها، وأيضًا بلغت حرب الشائعات ذروتها، مع استمرار عملية بث الاضطراب والمواجهات العنيفة في الشارع، والتي خطط لها ودبرها أنصار النظام السابق. بنجاح مرشح جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، الدكتور محمد مرسي، كأول رئيس مدني منتخب بعد الثورة، استطاعت الجماعة توجيه أكبر ضربة لمخططات قوي النظام السابق. واستطاع الرئيس المنتخب، ومن خلال العديد من المعارك المتتالية، إنهاء الدور السياسي المباشر للقوات المسلحة، وتأمين عمل الجمعية التأسيسية، وصد المخطط القضائي الهادف لهدم الجمعية التأسيسية. مما مكنه من تأمين صدور الدستور الجديد، كأول دستور شعبي، تكتبه لجنة منتخبة من ممثلي الشعب. وفي الوقت نفسه تصدي الرئيس المنتخب، لعملية انقلاب منظم علي مؤسسة الرئاسة، كانت تهدف للوصول إلي السلطة، بغير الطريق الديمقراطي، وأفشلها عدة مرات. وكانت جماعة الإخوان المسلمين، مدركة خطة الانقلاب علي الثورة، من خلال إسقاط أول رئيس منتخب، لإسقاط شرعية الانتخابات الديمقراطية، لذا قامت بدورها لحماية شرعية الرئيس المنتخب، بعد أن بات واضحًا أن أجهزة الدولة لن تحمي الرئيس المنتخب، لأنها مازالت تحت سيطرة قوي النظام السابق. وهي سابقة تاريخية، حيث تحمي حركة شرعية رئيس الدولة، في حين تقف الدولة ضده. مما يعني أن الدولة وقفت ضد شرعية الإرادة الشعبية، أما جماعة الإخوان المسلمين، فحمت شرعية الإرادة الشعبية. خلال كل هذه المرحل المتتالية، اتضح أن قوي النظام السابق انتقلت من مرحلة وقف مسيرة الثورة، وإطالة المرحلة الانتقالية، إلي مرحلة السيطرة علي طبيعة النظام السياسي الجديد، إلي مرحلة السيطرة علي السلطة التنفذية؛ وكل هذه المراحل كانت تهدف في الواقع إلي إعادة إنتاج النظام السابق بصورة ديمقراطية محسنة، حتي يمكن قوله مرة أخري من عامة الناس، وحتي يستطيع أن يستمر في السيطرة علي الدولة والاقتصاد، مما يساعده علي فرض نفسه مرة أخري، وإن كان بصورة ديمقراطية. في كل هذه المراحل المتتالية من الصراع، ظهر أن جماعة الإخوان المسلمين، هي القوي الأولي التي تتصدي لكل هذه المحاولات، وتدفع ثمنًا غاليًا في تلك المعارك؛ وأن القوي الإسلامية عامة، هي التي تتصدي لمخططات قوي النظام السابق، وإن كانت القوي الإسلامية لا تشارك جماعة الإخوان المسلمين في كل المعارك، خاصة أنها لم تشارك في معركة تغيير الحكومة بعد انتخابات مجلس الشعب، ولم تشارك في معركة الانتخابات الرئاسية، والتي كانت ذروة المعارك مع قوي النظام السابق. ومع فشل محاولات الانقلاب علي السلطة المنتخبة، من خارج إطار العملية الديمقراطية، تتحول المعركة بين قوي النظام السابق وقوي الثورة إلي العملية السياسية نفسها، لتصبح العملية الديمقراطية، هي ساحة المعركة. وكانت معركة الاستفتاء علي الدستور واحدة من المعارك المركزية، حيث استطاعت قوي النظام السابق حشد كل القوي السياسية غير الإسلامية، وأنصارها، في تحالف ضد القوي الإسلامية، وضد الدستور الجديد، وهو ما مثل انتصارًا لقوي النظام السابق، حيث استطاعت توفير غطاء سياسي ثوري لها، لتعيد إنتاج نفسها داخل إطار الثورة. وقد ظهر جليا في أغلب المعارك، أن القوي العلمانية لم تنحز للثورة في المعارك بين قوي الثورة الإسلامية وقوي النظام السابق، بل ساهمت القوي العلمانية في تعضيد موقف قوي النظام السابق. فأغلب القوي العلمانية أيدت السيطرة علي الدستور الجديد بمبادئ فوق دستورية، وأيدت وجود دور سياسي للقوات المسلحة، وأيدت مرشح قوي النظام السابق في الانتخابات الرئاسية، وأيدت أحكام القضاء التي حلت الكيانات المنتخبة شعبيًا، رغم أن الإرادة الشعبية تعلو علي كل السلطات. كما أيد أغلب القوي العلمانية محاولات قوي النظام السابق لإسقاط أول رئيس منتخب، وأقامت تحالفات سياسية مع قوي النظام السابق. مما يعني أن أغلب القوي العلمانية كانت في صف قوي النظام السابق في أغلب المعارك، وأن القوي الإسلامية وقفت ضد قوي النظام السابق في أغلب المعارك، وأن جماعة الإخوان المسلمين هي التي تصدت لقوي النظام السابق في كل المعارك. أذرع النظام السابق تتشكل بنية النظام السابق من عدة مكونات أساسية، وهي: 1 رأس النظام الذي أسقطته الثورة. 2 نخبة الدولة المهيمنة عليها، والتي تسمي الدولة العميقة، بكل مكوناتها في المؤسسات المدنية والعسكرية والشرطية والقضائية للدولة. 3 شبكة رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، بكل أذرعها في الإعلام والاقتصاد والبنوك، وأيضًا أذرعها في عالم الجريمة والبلطجة. 4 الكتل الاجتماعية المؤيدة للنظام السابق، والتي استفادت من زمنه، بما في ذلك العائلات والقبائل التي تحالفت مع الحزب الوطني المنحل، وعائلات أصحاب النفوذ والجاه في أجهزة الدولة، وعائلات المنتمين للمؤسسات المركزية في الدولة، مثل القضاء والجيش والشرطة، وأيضًا الشرائح الاجتماعية المستفيدة من سياسات النظام السابق. وإذا كان رأس النظام السابق سقط بالثورة، فإن معركة تفكيك الدولة العميقة بدأت بانتخاب أول رئيس مدني، تقف وراءه جماعة منظمة ولها حضور اجتماعي واسع، وهي جماعة الإخوان المسلمين. أما شبكة المال والنفوذ، فظلت في معارك مستمرة مع الثورة، وقادت حرب الشائعات، وأيضًا بث القلاقل، وهي في الحقيقة الطرف الثالث، الذي حول المظاهرات إلي مشاهد دامية، وبعد فشل كل محاولة من المحاولات للانقلاب علي الثورة، تعود شبكة المال والنفوذ إلي رهانها الأهم، وهو تحويل قوي النظام السابق، وقواعدها الشعبية، إلي قوة سياسية جديدة، يكون لها دور محوري في العملية السياسية بعد الثورة. العبور إلي النظام السياسي الجديد: في مسار الثورة العديد من التحديدات، وأول هذه التحديات هي الوصول إلي نظام سياسي جديد، يحل محل النظام السياسي السابق، وليس المطلوب فقط القضاء علي الاستبداد والفساد، بل المطلوب بناء نظام سياسي علي أسس جديدة، تقطع الصلة بالنظام القديم، وتبني منظومة سياسية جديدة. لذلك اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين استراتيجية التقدم إلي الأمام، وإنهاء المرحلة الانتقالية، باعتبار ذلك هدفًا استراتيجيًا محوريًا. فالمرحلة الانتقالية مثلت في الواقع، الفرصة السانحة لإجهاض الثورة، وإنهاء الحماس الثوري، وإحباط الرغبة الشعبية في التغيير والإصلاح، فالمرحلة الانتقالية، بعد أي ثورة تعد أصعب المراحل، والتي يمكن أن يفقد فيها عامة الناس الرغبة في التغيير، ويظهر لديهم ميل إلي الوصول إلي حالة الاستقرار، حتي وإن كان ذلك بعودة النظام السابق، وهو ما راهنت عليه قوي النظام السابق، وعملت علي إطالة المرحلة الانتقالية وتحويلها إلي حالة شبه فوضي، حتي ييأس عامة الناس من التغيير. لذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تحاول تأمين مسار الانتقال من المرحلة الانتقالية إلي مرحلة الاستقرار، حتي يتحقق الاستقرار مع نظام سياسي جديد، وهو ما يساعد علي الحفاظ علي قوة دفع الثورة، ورغبة عامة الناس في تحقيق التغيير والإصلاح. ومن الملاحظ، أن أغلب القوي الإسلامية، كان لديها الموقف نفسه، فهي تتجه إلي بناء المؤسسات السياسية، والحفاظ علي الشرعية الانتخابية المتولدة من الإرادة الشعبية، حتي يتم الخروج من المرحلة الانتقالية. لأن الوصول إلي مرحلة استكمال بناء النظام السياسي الجديد، تؤدي بالفعل إلي قطع العديد من الروابط مع النظام السابق، وتفتح صفحة جديدة في التاريخ السياسي بعد الثورة. وهو ما جعل التحالف بين جماعة الإخوان المسلمين والقوي الاسلامية الأخري، عاملًا حاسمًا في تأمين مسار المرحلة الانتقالية، والولوج إلي مرحلة الاستقرار السياسي. وأهم ما في هذه المعركة، هو دفع قوي النظام السابق إلي التعايش مع التحول الديمقراطي الحقيقي، وفرض واقع جديد يقوم علي الإرادة الشعبية الحرة. واقع يقوم علي التعددية السياسية، ويجعل المجال السياسي مفتوحًا أمام العديد من القوي السياسية، ويمنع بالتالي أي محاولة لفرض هيمنة قوي النظام السابق علي الحياة السياسية، من خلال أي ديمقراطية شكلية. وتلك كانت أهم معركة، فالديمقراطية يمكن أن تكون شكلية، أو تتم هندسة الانتخابات بصورة لا تعبر عن الإرادة الشعبية الحرة؛ لذلك كانت معركة الانتخابات بداية من انتخابات مجلس الشعب، ثم الانتخابات الرئاسية، من أهم المعارك التي حققت بالفعل تداولًا سلميًا للسلطة، وجعلت خيارات عامة الناس حاسمة في تحديد السلطة المنتخبة، مما منع تأسيس أي ديمقراطية شكلية. وكانت معركة فك هيمنة بعض أجهزة الدولة علي الحياة السياسية، خاصة بعض المؤسسات القضائية، من أهم المعارك؛ التي تحرر المجال السياسي، وتجعل الديمقراطية حقيقية، وليست شكلية. والملاحظ أن كل المحاولات التي قام بها المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ثم مؤسسات قضائية، باءت بالفشل، ففي النهاية صدر الدستور عن لجنة منتخبة من ممثلي الشعب، حسب إرادة عامة الناس التي اختارت هذا الطريق في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية؛ كما انتخب أول رئيس مدني من أهم القوي المعارضة للنظام السابق، وهي جماعة الإخوان المسلمين، مما جعل كل محاولات العرقلة والسيطرة تفشل في النهاية، وهو ما أعطي للثورة قوة واقعية وعملية، بتحقيق عملية مستمرة من التغيير، رغم كل العقبات. وبهذا وضعت قوي النظام السابق أمام تحد حقيقي، لأنها لم تستطع وقف مسيرة الثورة، أو تحويل هذه المسيرة في غير الطريق الذي يحقق تحرير الإرادة الشعبية. لأن تحرير إرادة عامة الناس، يجعل الإرادة الشعبية هي مصدر السلطات، ومصدر النظام السياسي، مما ينهي احتمالية سيطرة أي طرف علي العملية السياسية. تفكيك الدولة العميقة تمثل شبكة المصالح المسيطرة علي الدولة، والتي تديرها نخبة الدولة وتشكل الدولة العميقة أو الدولة الخفية، أهم تحد يواجه عملية الإصلاح والتغيير، لذا أصبح تفكيك الدولة العميقة، من أهم معارك الثورة، فلا يمكن لثورة أن تنجح إلا من خلال إصلاح جهاز الدولة، وتحويل الدولة إلي مؤسسة خاضعة للإرادة الشعبية الحرة، وخاضعة بالتالي لمطالب عامة الناس، فالدولة في ظل النظام السابق، كانت أداة الاستبداد والهيمنة، التي أضعفت المجتمع وسيطرت عليه، وأهدرت مصالح عامة الناس. لذا أصبح تحويل دور الدولة من أداة للقهر والسيطرة، إلي أداة لخدمة المجتمع، يمثل تحديًا، وهو تحد متعدد الجوانب، لأن بقاء الدولة المهيمنة، يعني بقاء النظام السابق مسيطرًا علي الدولة. وبقاء سيطرة النظام السابق علي الدولة، يعني ضمنا حصار السلطة المنتخبة، وشل فاعليتها، وإفشال عملها، حتي يشعر الناس بالإحباط واليأس، وهو ما يساعد علي تكوين قناعة لدي عامة الناس، بفشل الديمقراطية في تحقيق مطالبهم، وتحقيق أهداف الثورة. الملاحظ أن جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة، اعتمدا استراتيجية التفكيك المتتالي للدولة العميقة، وهو ما تبناه الرئيس محمد مرسي بعد انتخابه. فعملية التفكيك تبدأ بتفكيك العلاقة بين الكتل الاجتماعية وبين الدولة العميقة، من خلال تأمين الأوضاع الخاصة بالكتل التي أيدت النظام السابق، والبعد عن أي عملية انتقام أو تصفية حسابات، حتي تستقر أوضاع العائلات والكيانات الاجتماعية المؤيدة للنظام السابق، حتي لا تبقي في حالة خصومة مع الثورة. وكان من أهم تلك الخطوات، بث الاطمئنان في نفوس عائلات العاملين في أجهزة الشرطة والقضاء والجيش، باعتبارها أكثر المؤسسات التي ارتبطت أوضاعها بالنظام السابق. والهدف من ذلك، أن تكون تلك الكتل الاجتماعية جزءًا من الدولة العميقة، وبالتالي مشاركة في عملية إجهاض الثورة، لأن مشاركة كتل اجتماعية في إجهاض الثورة أو الانقلاب عليها، يمكن أن يؤدي إلي نزاعات أهلية حادة. وتفكيك علاقة تلك الكتل بالدولة العميقة، يؤدي إلي حدوث تباين في المصالح، بين مكونات النظام السابق، مما يفكك من ترابطها، ويجعل لكل منها موقفًا مختلفًا. ومع مرور الوقت يتضح أن مخاوف الكتل الاجتماعية المرتبطة بالنظام السابق، ليست في محلها، مما يجعلها تغير نظرتها للثورة، ولا تشعر بأن الثورة ضدها. ويتزامن مع هذا، تفكيك الروابط بين مؤسسات الدولة العميقة، من خلال دفع بعضها لتغيير مواقفه، وهو ما حدث أولًا مع القوات المسلحة، والتي خرجت من الدور السياسي المباشر، وأصبحت تحدد دورها في الدفاع عن الأمن القومي، وهو ما يجعل لها حضورًا، ولكن بصفتها الوظيفية، وبدون أي صفة سياسية. وتفكيك الانخراط السياسي للقوات المسلحة، أفقد مؤسسات قضائية غطاء مهمًا، وإن كانت تلك المؤسسات القضائية انخرطت أكثر في العملية السياسية، بعد خروج القوات المسلحة منها، لتعويض الخسارة التي حدثت لقوي النظام السابق والدولة العميقة، بخروج القوات المسلحة من العملية السياسية. وقد دخلت مؤسسة الرئاسة في عدة معارك مع الدور السياسي لمؤسسات قضائية، حتي استطاعت الحد من أثره، واستطاعت أيضًا إبراز الأثر السلبي لأي دور سياسي لأي مؤسسة قضائية. وهو ما أدي إلي تفكيك مواقف المؤسسات القضائية، بعد أن بات واضحًا أن مؤسسة القضاء كلها قد تواجه خطرًا علي هيبتها، بسبب انخراط بعض المؤسسات القضائية في العملية السياسية. وكان اشتراك القضاة في الإشراف علي استفتاء الدستور، انتصارًا مهمًا، حيث تباينت مواقف المنتمين للمؤسسة القضائية، ولم يعد موقفهم موحدًا. كما كان تغيير النائب العام، جولة أخري في تلك المعركة لتفكيك الذراع القضائية للنظام السابق. ومن خلال التفكيك المتتالي، لروابط وشبكات الدولة العميقة وتغير الولاءات بداخلها، من الولاء للنظام السابق، للولاء للدور والوظيفة، وللدولة بوصفها جهازًا يملكه المجتمع، تتم عملية تفكيك الدولة العميقة، والتي تستغرق وقتًا، ولكنها تأخذ منحي تصاعديًا. فكلما تم تفكيك أجزاء مهمة منها، أصبح تفكيك الأجزاء الأخري أسرع. ولهذا كان وصول رئيس يمثل معارضة النظام السابق، وينتمي لجماعة كانت في قلب الثورة، ويعتبرها النظام السابق خصمه الأول، عاملًا مهمًا في تفكيك الدولة العميقة؛ لأن فوز مرشح النظام السابق في الانتخابات الرئاسية، كان سيمثل فرصة لمؤسسة الدولة العميقة، والحفاظ عليها، وتأمينها، بحيث تظل اللاعب الرئيسي في العملية السياسية، والطرف المهيمن علي السلطة. واعتماد استراتيجية التفكيك الجزئي المتتالي، وعدم اللجوء إلي استراتيجية المواجهة الشاملة مع الدولة العميقة، يمثلان في الواقع سببًا لنجاح تلك المواجهة. فالتفكيك المتتالي يضعف الولاءات داخل منظومة الدولة العميقة، في حين أن المواجهة الشاملة، تؤدي إلي تقوية هذه الولاءات. لأن المواجهة المرحلية والجزئية، تبدل في مصالح المنتمين لشبكة الدولة العميقة، مما يفكك روابطها وبهذا تصبح مواجهة الدولة العميقة عملية طويلة الأمد نسبيًا، ولكنها تحقق نجاحًا جزئيًا متتاليًا. تغييرات السياسات المتابع لاستراتيجية جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والقوي الإسلامية الرئيسة، يكتشف أنها تقوم علي التغيير والإصلاح التدريجي، الذي يمكِّن من إحداث تراكم مستمر لسياسات جديدة، تفصل الواقع السياسي عن منظومة النظام السابق، وتحقق القطيعة معه، مما يؤدي إلي تشكل سياسات جديدة، تغير تلك السياسات التي بنيت عليها الدولة. والمنهج التدريجي في التغيير والإصلاح، يؤخر القطيعة مع النظام السابق، ويهدد مسار التغيير بعودة سياسات النظام السابق، ولكنه يضعف مقاومة قوي النظام السابق وحلفاءها، ويقلل من المبررات التي تدفع للمواجهة الشاملة، ويفشل محاولات حشد كل الكتل المستفيدة من سياسات النظام السابق، ضد الثورة. فالمتابع مسار الثورة، يجد أن التغيير التدريجي المحسوب لسياسات النظام السابق، يقلل من تماسك قوي النظام السابق، ويخفض درجة التوتر والقلق التي تنتاب المجموعة المستفيدة من سياسات النظام السابق، كما يقلل من حالة العداء الخارجي للثورة، سواء علي المستوي الإقليمي أو الدولي. ورغم ما حدث من مقاومة وحشد ضد الثورة، داخليًا وخارجيًا، فإنه في الواقع أقل مما يمكن حدوثه، في حالة اللجوء إلي تغيير سياسات النظام السابق كليًا ومرة واحدة. وبسبب هذا النهج التدريجي، تتحمل جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وأيضًَا الرئيس المنتخب، الكثير من الأعباء من قبل الرأي العام، الذي يريد تغييرًا سريعًا وواسعًا وشاملًا. ولكن هذا العبء في نظر جماعة الإخوان المسلمين، يمكن تحمله، حتي تتحقق الأهداف الكلية للثورة، مرحليًا وجزئيًا، ويكتشف الرأي العام، نجاعة الاستراتيجية التي اتبعتها الجماعة والحزب والرئيس. لأنه يمكن تغيير العديد من السياسات كليًا، مما يعطي انطباعًا بحدوث تغيير واسع لدي الرأي العام، ولكن ثمن هذا التغيير سيكون كبيرًا، وقد يمكن القوي المعادية للثورة، من تحقيق انقلاب فعلي عليها، مستفيدة مما قد ينتج من التغيير السريع والواسع من تحديات دولية وإقليمية، قد تهدد المصالح الآلية للمجتمع. فرغم أن الرأي العام راغب في حدوث تحولات كبري بعد الثورة، فإنه غير مؤهل لتحمل أعباء تلك التغييرات. ومعني ذلك، أن التغيير السريع قد يلاقي ترحيبًا من الرأي العام، ولكن ثمن هذا التغيير، سوف يدفع الرأي العام، للانقلاب علي عملية التغيير، لأنه غير مؤهل لتحمل هذا الثمن. وهنا يظهر جزء مهم من استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين، حيث إنها تفضل تحمل قدر من اللوم من الرأي العام مرحليًا، حتي تظهر للرأي العام حقيقة مواقفها، ومدي مناسبة قراراتها لحماية الثورة وتحقيق أهدافها، علي أن ترضي الرأي العام، ثم تعرضه لدفع ثمن التعجل في اتخاذ القرار، فتخسر الجماعة في النهاية؛ أي أن الجماعة تفضل أن تدفع هي ثمنًا لمواقفها في المدي القصير، عن أن تدفع ثمنًا في المدي الطويل، وتفضل أن تتحمل هي ثمنًا لبعض المواقف، علي أن يتحمل المجتمع ثمنًا أكبر لمواقف قد ترضيه ولكن تكلفه. وبهذا تتحمل الجماعة خسارة الرأي العام جزئيًا ومرحليًا، حتي لا تخسر الرأي العام علي المدي الطويل. ومع التغيير المتتالي للسياسات، يتشكل وعي جديد بالنظام السياسي، مما يحول دون استعادة سياسات النظام السابق. وهو ما جعل لعملية وضع الدستور أهمية خاصة، حيث إنها تمثل تغييرًا في الأسس التي تبني عليها سياسات سلطات الدولة. ولهذا ركزت جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة علي أهمية تأمين عملية وضع الدستور الجديد، والاستفتاء عليه، وهي العملية التي أتمها الرئيس محمد مرسي بنجاح، رغم ما تعرض له من معارضة وهجوم شرس، ولكنه كان يدرك أن أي ثمن يدفع اليوم من أجل إنجاز الدستور الجديد، هو ثمن عارض. في حين أن بقاء البلاد بدون دستور، وبدون استكمال مؤسسات الدولة المنتخبة، كان من الممكن أن يعرض الثورة لمخاطر أكبر. تغيير المناخ السياسي هدفت استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والرئيس المنتخب، إلي تحقيق تراكم سياسي متتال في الساحة المصرية، يبني نظامًا جديدًا وأوضاعًا جديدة، بصورة متدرجة ومتتالية، ويعمِّق الانقطاع والانفصال عن النظام السابق، ويحول دون عودة النظام السابق بأي صورة من الصور. فتراكم الخطوات السياسية العملية، يشكل لدي الرأي العام تدريجيًا، صورة ذهنية جديدة عن النظام السياسي الجديد، مما يجعل عودة الصورة القديمة أمرًا صعبًا، ومرفوضًا من الرأي العام. ومع اندفاع الرأي العام للتغيير، وعدم قناعته بالتغيير الحادث أحيانًا، ومع تراكم عملية التغيير الفعلية، يزيد تعلق عامة الناس بالتغيير والإصلاح، وتقلل أي روابط تربطهم بالأوضاع السابقة علي الثورة. ومعني هذا، أن استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين، تبني أساسًا علي فك روابط عامة الناس بالنظام السابق، ودفعهم للتعلق بالمستقبل، حتي تفوِّت الفرصة علي قوي النظام السابق، التي تريد إعادة إنتاج النظام، ولو بصورة جديدة. وتغيير البيئة السياسية، بصورة تجعلها غير مناسبة أساسًا لعودة النظام السابق، يمثل مرحلة مهمة في تأمين عملية التغيير. لذا عمد الرئيس محمد مرسي، إلي إنتاج صورة جديدة عن الرئيس المنتخب، لا علاقة لها بصورة الرئيس زمن النظام السابق، وهو ما يساعد علي تشكل بيئة سياسية غير مناسبة لعودة النظام السابق. فأصبح الرئيس يبدو قيادة شعبية، مرتبطة بعامة الناس أكثر من ارتباطها بجهاز الدولة، وتعبر عن عامة الناس، وتمثل عامة الناس لدي الدولة. وبالتركيز علي إنتاج صورة الرئيس الذي يمثل قيادة شعبية، تتغير صورة الدولة وبهذا يتم التأسيس لنظام سياسي جديد، يقوم أساسًا علي فكرة تمثيل عامة الناس من كل سلطة منتخبة، لتصبح الدولة وكيلة عن المجتمع، وليست مسيطرة عليه. حتمية سقوط النظام هذه الاستراتيجية التي تتبعها جماعة الإخوان المسلمين، وتشترك معها فيها أغلب القوي الإسلامية، تؤدي إلي تغيير النظام السياسي، بعملية تراكمية، قد تكون بطيئة، ولكنها مؤمنة. وهو ما ينهي النظام السابق، ويحقق سقوطه الفعلي والكامل. لهذا فجماعة الإخوان المسلمين، تعد رأس حربة الثورة في عملية إسقاط النظام السابق؛ حيث تراكم مع القوي الإسلامة الأخري، العديد من الإنجازات والتغييرات علي أرض الواقع، مما جعل بقاء النظام السابق صعبًا، وإعادة إنتاجه غير عملية أساسًا، وهو ما يحول دون استعادة النظام السابق بأي صورة محسنة. لذا فالنظام السابق سيسقط كلية، ولن تتم إعادة إنتاجه، مما يعني أن الثورة المصرية هي التي ستقود دول الربيع العربي في بناء أنظمة سياسية جديدة، تقطع كل صلة مع النظام السابق علي الربيع العربي وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام حدوث تغييرات كبري في المنطقة العربية والإسلامية، من خلال تبني الدول العربية والإسلامية أنظمة حكم جديدة، ونموذجًا جديدًا للدولة. نعم سوف يسقط النظام كلية، وعلي يد القوي الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي تخوض كل المعارك ضد النظام السابق، وتشاركها القوي الإسلامية في أغلب تلك المعارك ولكن يبقي سؤال متي؟ أي متي يسقط النظام؟ بالتأكيد سوف يسقط عندما تتفكك بنية الدولة العميقة، ويزداد النظام السياسي الجديد رسوخًا وتتغير البيئة السياسية بالكامل، وتبني سياسات جديدة، وتتغير وظيفة الدولة ودورها وهي عملية تراكمية، تجعل سقوط النظام يتم تدريجيًا، إلي أن يسقط جزئيًا وبشكل متتال، ثم يختفي عن الأنظار فيدرك الجميع أن النظام السابق قد انتهي عمليًا. ولكن هناك معركة أخري مهمة، لا تقل أهمية عن كل المعارك الخاصة بالنظام السابق، وفي هذه المعركة، سيكون علي جماعة الإخوان المسلمين والقوي الإسلامية دور مهم، وهو معركة تفكيك الكتل الاجتماعية المناصرة للنظام السابق. والقوي الإسلامية فقط هي القادرة علي إنجاز تلك المهمة، وجماعة الإخوان المسلمين خاصة، هي المنوط بها تحقيق أهم مراحل عملية تفكيك الكتل الاجتماعية المؤيدة للنظام السابق. القاعدة الاجتماعية للنظام السابق التحدي الأهم أمام الثورة، يتمثل في تغيير الكتل المؤيدة للنظام السابق موقفها تجاه الثورة، حتي تركب سفينة الثورة، مثل غيرها من مكونات المجتمع، ولا تبقي في موقف معاد للثورة، ولا تظل تعتقد أن الثورة ضدها. فالثورة كانت ضد النظام الحاكم، ولن تكون ضد فئات من المجتمع، فالثورة الشعبية ليست معركة بين فئات المجتمع، ولكنها معركة ضد من يمسك بزمام السلطة، أي ضد الاستبداد والفساد. والكتل المؤيدة للنظام السابق، ظهرت للمرة الأولي وبصورة واضحة في انتخابات الرئاسة، حيث تكتلت مع مرشح النظام السابق في الانتخابات الرئاسية، واستطاعت الدفع به لجولة الإعادة، واستطاعت أيضًا الحشد له مع القوي السياسية الأخري المتحالفة معها، مما قرب الفارق بينه وبين مرشح جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن شهدت انتخابات مجلس الشعب غيابًا لحضور قوي النظام السابق، بسبب تفتتها.