منذ نحو 1120 عامًا -وتحديدًا يوم 13 نوفمبر- فارق الحياة العلامة النحوى واللغوى الأشهر ابن قتيبة الدينورى (828- 899م)، وما زال أثره قائمًا فى لغة الضاد حتى اليوم ويكفى كتابه الأبرز «أدب الكاتب» وفيه ذكرَ الدينورى مجموعة من الآداب النظرية والعملية التى ينبغى لكل من تصدى للكتابة أن يتأدب بها، والتى يمكن أن نسميها فى الآن «الثقافةَ الضروريةَ للكاتب»، قاصدًا أن يجعل من الكتاب رفيقًا لكل كاتب ينوى تقويم لسانه ويده. وقد أثنى ابن خلدون فى مقدمته على كتاب ابن قتيبة فقال:» وسمعنا من شيوخنا فى مجالس التعليم أن أصول هذا الفن (اللغة والأدب) وأركانه أربعة دواوين وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر للبغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتوابع لها وأصول عنها». وينطبق على هذا الكتاب العمدة فى الأدب واللغة قول الإمام الشافعي: (وما من كاتب إلا سيفنى / ويبقى الدهرَ ما كتبت يداه.. فلا تكتب بخطك غير شيء /يسرك فى القيامة أن تراه). وقد أشاد كبار المؤرخين بابن قتيبة إذ قال عنه ابن النديم فى الفهرست: كان صادقًا فيما كان يرويه، عالمًا باللغة، والنحو، وغريب القرآن ومعانيه، والشعر، والفقه؛ كثير التصنيف والتأليف. وقال الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد: كان ثقة ديِّنًا فاضلاً، وهو صاحب التصانيف المشهورة. وقال أبو البركات الأنبارى فى نزهة الألباء: كان فاضلاً فى اللغة والنحو والشعر؛ متفنّنًا فى العلوم. ولابن قتيبة العديد من الكتب من أشهرها: تفسير غريب القرآن، وغريب الحديث، وعيون الأخبار، وتأويل مشكل القرآن، وتأويل مختلف الحديث، وغيرها. ولد ابن قتيبة فى بغداد وسكن الكوفة ثم ولى قضاء الدينور فترة فنسب إليها، وأخذ العلم فى بغداد على يد مشاهير علمائها، فأخذ الحديث عن أئمته المشهودين، وفى مقدمتهم: إسحاق بن راهويه، أحد أصحاب الإمام الشافعي، وله مسند معروف. وأخذ اللغة والنحو والقراءات عن أبى حاتم السجستاني، وعن أبى الفضل الرياشي، وكان عالما باللغة العربية والشعر وكثير الرواية عن الأصمعي، كما تتلمذ على عبد الرحمن ابن أخى الأصمعي، وحرملة بن يحيى، وأبى الخطاب زياد بن يحيى الحساني، وغيرهم. ومن أغرب ما ورد فى سيرة ابن قتيبة سبب وفاته حيث ذكر ابن كثير فى «البداية والنهاية»: «وكان سبب وفاته أنه أكل لقمة من هريسة فإذا هى حارة فصاح صيحة شديدة ثم أغمى عليه إلى وقت الظهر، ثم أفاق، ثم لم يزل يشهد أن لا إله إلا الله إلى أن مات وقت السحر».