لمن لا يعرف أو لا يتذكر.. إنه سجن أبو غريب في العراق الذي كانت تستخدمه قوات التحالف في حربها علي العراق من تعذيب وتنكيل.. بل صور مازالت حية في الأذهان تشهد علي قمع السجناء وهم عراة حولهم الكلاب لتبين لنا مدي الوحشية وطرق تعذيب المساجين العراقيين وإذلالهم. بل لم يتوانوا عن تصويرهم وتكديسهم عراة من قِبل الجنود الأمريكيين، وقد سميت بفضيحة ستار جبار. وأدان المجتمع الدولي انتهاكات حقوق الإنسان التي تمت وما زالت تُدفع التعويضات بالملايين لتسوية تلك القضايا. وحين قلَّبت في التلفاز تصورت أن مشهد سحل المواطن ونزع ملابسه بالكامل تسريبًا لفيديو قديم بأبو غريب. لكني تنبهت بعد ما أشار عنوان الفيديو 'الاتحادية الآن' والصورة كما شاهدتها علي الشاشة: رجل مسن تم تجريده من ملابسه كاملة وركله بالأقدام وسحله من قبل الأمن المركزي وجره أسفل إحدي سيارات الأمن المركزي. لقد جفاني النوم شأني شأن كثيرين وصرت أتقلب بين جنبات الألم والمرارة لتتحجر الدموع في الأعين فأي دمع قد يغسل عارا كهذا؟! لقد اغتيلت الإنسانية ليس من هذا المشهد فحسب ولكن أيضًا اغتيلت في قلوب من أخذوا يركلونه جميعا بقدم رجل واحد، ولم يبادر سيد منهم لينهرهم أو يغطي جسده العاري أمام الجمع الغفير من المتظاهرين. {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ{ 'الأنعام 110' أهذا هو الدين الذي أتي من أجله الإخوان المسلمون ليرفعوا لواءه, ويقيموا أواصره؟! إن الإسلام بريء منهم ومن أفعالهم النكراء. تعالي ربي عما يصفون, ألم تعلموا أن حرمة الجسد عند رب العالمين شديدة حتي أننا نجد عظمة الإسلام تتجلي في غُسل الميت وتكفينه ليتم من أسفل ساتر حتي لا يطلع أحد علي عورته حتي وإن كان جثة هامدة، فما بالنا برجل حي يرزق أمام نواظر زوجته وأبنائه، في الطريق وشاشات التلفاز لا تجد حرجًا أو وزرًا من عرضه مرارًا وتكرارًا. لماذا يهان الفقير في مصر يداس عليه بالنعال، تحطم أحشاؤه، تستباح عوراته؟ لا دين، لا أخلاق؟، ألم اعتصر قلوب كل مصر لتلك المشاهد المخجلة والتي تعلن انحدار الآدمية لتصل إلي أسفل السافلين, لنتحول لمجتمع غوغائي بربري، فهل أجد دور لجمعيات حقوق الإنسان في مصر لملاحقة الفاعلين أم أن المواطن المصري فاقد لحقوقه وشرعيته علي أرض وطنه؟ لن أتحدث عن كرامة الإنسان المصري لأنها أصبحت خرقة بالية منذ عهود ولن أتحدث عن القيم والمثل العليا فقد عفي عليها الزمن في ظل التدهور الاجتماعي والثقافي الذي وصلنا إليه، لكني سوف أشير لقوله تعالي: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} الإسراء: 16.. أمر مترفيها بالفسق والظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير والدمار. وهذا ما يحدث لنا الآن من انهيار تام وشامل في الاقتصاد وموارد الوطن الحيوية، عسي أن يكون الاتجار بالدين عقابه شديدًا. إن دولة مثل تونس خرجت ثورتها علي إثر صفعة علي وجه المواطن محمد بوعزيزي أمام الملأ ليضرم في جسده النيران ويتوفي بعدها متأثرًا بجراحه بعد 18 يومًا لتكون ثورة تونس أولي ثورات الربيع العربي وملهمة الشعوب.. فهل نجد في مصر صدي لمثل هذا الفعل المجرد من الإنسانية؟ يدعو البعض لحملة توقيع إلكترونية لتجميع ملايين التوقيعات لإسقاط شرعية مرسي باستخدام قانون التوقيع الإلكتروني وله حجة قانونية.. فهل يكون هذا مخرجًا من السقوط في الهاوية التي انزلقنا فيها؟. هذا التصعيد والاحتقان الذي وصلنا إليه كان من جراء تصريحات الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية وقيادات وضباط وأفراد الأمن المركزي، بالتصريح باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين إذا لزم الأمر، وذلك لاحتواء موجة غضب القوات التي اشتعلت في عقب استشهاد النقيب أحمد البلكي في أحداث سجن بورسعيد, فكان هذا رد فعل طبيعيًا بعد حقنة الشجاعة. يبدو إننا دخلنا في مرحلة 'الحرس الثوري' علي نهج الخميني، في تجهيز ميليشيات منفصلة تماما عن القوات المسلحة يقودها مجلس خاص، كما يبدو أن سعد الكتاتني كان صادقا عندما قال إن الثورة الإيرانية ملهمة ثورات الربيع العربي، أما الغريب والمثير للدهشة حقًا، ألا يدين السيد حمادة صابر الذي تم سحله والاعتداء عليه أيًا من أفراد الأمن المركزي والواقعة كانت علي مرأي ومسمع العالم. حتي قناة CNN بثت لقطة تعرية وسحل المصري بالاتحادية ونوهت المذيعة قبل عرض اللقطات بأن الفيديو القادم لا يُنصح بأن يشاهده الأطفال.. لا تلوموا حمادة صابر لإنكاره التام لواقعة ضربه وسحله.. بل وجّهوا اتهامكم إلي من اعتدي عليه مرتين: مرة جسديًا ثم مرة أخري معنويًا باستغلال فقره وضعفه وخوفه من عواقب اتهامه للداخلية بالتعذيب والسحل والضرب