بدأ المهرجان الصيفى الذى اعتادت دار الأوبرا المصرية إقامته على مسارحها، وقد دأبت منذ سنوات على إقامة بعض حفلاته بالمسرح الرومانى، لتنير لياليه سماء الإسكندرية، ولم تنطفئ أنواره إلا عقب أحداث يناير 2011، وبعد سنوات عصيبة عادت الحياة للمسرح الرومانى منذ 2016 حتى اليوم. والمسرح الرومانى، أو المدرج الرومانى - كما يطلق عليه الأثريون- يتخذ شكل حدوة حصان أو حرف U وبه ثلاثة عشر مدرجا جرانيتيا، وتم اكتشافه بالصدفة اثناء البحث عن مقبرة الاسكندر الأكبر فى ستينيات القرن الماضى، واستغرقت أعمال التنقيب عن المدرج حوالى ثلاثين عاما، ويرجح أنه لم يكن مسرحا وإنما قاعة محاضرات واستخدمت أحيانا كمسرح للاحتفالات. وقد اختارته الأوبرا ليحتضن حفلاتها الفنية، ويضفى على لياليها عبقا تاريخيا خاصا يصعب تكراره بأى مكان آخر. واعتاد السكندريون وضيوف المدينة على حضور حفلات الروماني، خاصة أنها لا تستلزم الحضور بالملابس الرسمية، كما أن أسعار التذاكر فى متناول المواطن البسيط الذى يسعى للاستمتاع دون تكلفة تثقل كاهله. وقد فاض مهرجان هذا الصيف بالفرق الفنية الشبابية التى تسعى لإثبات وجودها بجانب كبار النجوم، وأقبل الجمهور عليها بكل شغف، فنفدت التذاكر- مع المطالبة بتوفير المزيد ولو وقوفا - وامتلأت المدرجات. ومن الملاحظ أن جمهور الرومانى يشمل كل الفئات العمرية، لكن يغلب عليه الشباب وصغار السن، مما أشعرنى بضرورة التوقف أمام هذه الظاهرة. أليس هؤلاء هم الشباب المتهمون دائما بتدنى الذوق، واقتصار اهتمامهم على اغانى (المهرجانات) والرقص ب(السنجة)!! ها هو الشباب يثبت تذوقه للفن الجميل، وإقباله عليه متى قدم إليه، وقد حملت الأوبرا على عاتقها القيام بهذا الدور، فقدمت الفن المحترم لكل طبقات الشعب، ولا غرابة فالأوبرا - كما أكرر دائما - قلعة الفن الراقى وآخر حصونه، وحاملة راية الحفاظ على هوية هذا الوطن. إن نجاح المهرجان تقف وراءه منظومة عمل تستحق أن توجه لها التحية، بدءًا من أصغر عامل، ووصولا للدكتور مجدى صابر رئيس الأوبرا، والدكتورة ايناس عبد الدايم وزيرة الثقافة التى تسكن يوما بعد يوم مزيدا من قلوب جماهير الاوبرا.