لا تستطيعُ تركيا أن تخرجَ من تحت العباءة الأمريكية، فمهما ساءت العلاقات بين واشنطنوأنقرة، فإنّ ما تأمرُ به الولاياتالمتحدة ستنفذهُ تركيا صاغرةً مهما حاولت الظهور بمظهر القوة ومعارضة القرارات، وهذا ماقالته أنقرة بعد «بروباغندا» الوقوف بوجه واشنطن بخصوص استيراد البترول من إيران: «بصفتنا حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، فإننا نحترم العقوبات ضد إيران».. مؤكدة أنها توقفت عن استيراد البترول منذ 2 أبريل الماضي، وهذه صفعة لطهران من “الأخ” التركي. بعد انتهاء مدة الأسبوعين الممنوحة لتركيا، قامت واشنطن بتمديدها ثانية حتى نهاية يوليو القادم، للتخلى عن شراء صفقة منظومة صواريخ إس-400 الروسية. ألين لورد وكيلة وزارة الحرب الأمريكية قالت: «إذا لم تلغِ تركيا، بحلول 31 يوليو شراء نظام إس-400، سيتوقف تدريب الطيارين الأتراك فى الولاياتالمتحدة على طائرات إف-35 (الشبح)، وستلغى الاتفاقات مع الشركات التركية المتعاقد معها لتصنيع أجزاء الطائرة الحربية إف-35».. هذا غيض من فيض مما يمكن أن تفعلهُ واشنطنبأنقرة التى تقول: «أنتِ أضعف من أن تواجهى الولاياتالمتحدة، إمّا أو…». بالمقابل؛ التصعيد الروسى فى إدلب يأتى للضغط على تركيا، وموسكو تقولها أيضًا لأنقرة: «أنتِ أضعف من أن تواجهى روسيا، إمّا أو…». بين إمّا وأو، يُحاول أردوغان اللعب على الحبلين، لكنّ سقوطه وارد فى أية لحظة، وهو أينما توجّهَ سيلقى المصير نفسه، فإن عادى موسكو أو واشنطن، سيتأثر وضع بلاده الاقتصادى والعسكرى والسياسى وينعكس سلبًا على أمنه الداخلي… فأيّ النارين سيختار؟ والأصح: «أيّ خازوق سيختارُ أردوغان؛ الخازوقَ الأمريكى أم الخازوق الروسي؟». منطقة عازلة شمال سوريا وزير خارجية الولاياتالمتحدة مايك بومبيو أكدّ أنّ التعاون مستمر بشكل جيد بين تركياوالولاياتالمتحدة فى «منبج»، حيث يتم تسيير دوريات مشتركة بين البلدين فيها منذ أيلول 2018. بومبيو تحدث عن المنطقة العازلة شمال سوريا بأنها ستكونُ لحماية تركيا من أية هجمات إرهابية. كلام الوزير جاء ضمن مؤتمر صحفى مع نظيره الألماني، حيثُ أعلن أن حماية تلك المنطقة ستكون بيد القوات الأمريكية أو التركية بعمق حوالى 30 كم داخل الأراضى السورية، وسيتم تفريغ تلك المنطقة من السلاح بحيث لا تشكل أى تهديد لأمن تركيا واستقرار حدودها. بينما صرح المبعوث الأمريكى الخاص إلى سوريا «جيمس جيفري» قبلهُ بأن المنطقة الآمنة المرتقبة فى سوريا ستقام على امتداد الحدود مع تركيا، خلال لقائه بوزير الحرب التركى الذى أكد وجود مرونة ملحوظة فى موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية إزاء إنشاء المنطقة الآمنة فى سوريا. روسيا فى وضع حاسم بدون رتوش مرت روسيا بوضع قلق فى علاقاتها مع تركيا خلال الأسابيع الماضية، وكاد بعض المحللين يجزمون بأنها ستتخذ قرارًا حاسمًا خطيرًا، لكن سياسة الاستيعاب مازالت قائمة، مع وخزاتٍ لأنقرة وتهديدات خفية. حتى اللحظة، وحسب رأينا لا قرار حاسم لموسكو رغم التواطؤ التركى الوقح، وروسيا مازالت تُراهنُ على أنقرة؟! المتحدث باسم الكرملين «ديميترى بيسكوف» صرّح بأن الرئيس الروسى ناقش الوضع المتأزم فى إدلب مع أعضاء مجلس الأمن الروسي، والذين عبروا عن قلقهم المتزايد من هجمات المسلحين. تابعَ المتحدث بأن المجتمعين حمّلوا تركيا مسؤولية ردع المسلحين عن هجماتهم، مؤكدين بأن موقفهم متوافق مع الموقف التركي، وحثوا على التوصل إلى طريقة لوقف إطلاق النار. هل سيبقى الموقف الروسى لن يتعدى «وقف إطلاق النار»… ومحاولة جديدة لاستيعاب الموقف التركى باستمرار المفاوضات مع أنقرة، فالحراك الأمريكى التركى قد يقلبُ المعادلة القائمة فى سوريا. أم سنرى قرارًا حاسمًا بشن عملية واسعة فى الشمال الغربى السورى تخلط الأوراق؟ الأمور كانت واضحةً منذُ آخر اجتماع ل «آستانا» بمحاولات الوفد التركى التملص من أية التزامات سواء فيما يخصّ تشكيل اللجنة الدستورية أو فى ملف إدلب، واقتصرت مطالب الوفد التركى على تبادل الأسرى وملف الانفصاليين الأكراد شمال شرق سوريا. الوفد الروسى كان غاضبًا من سلوك الأتراك، فهل يكفى القلق والغضب؟ هل ستتحركُ روسيا بقوة؟ مما تعلمه موسكو أنّ الاجتماعات والتنسيق بين تركياوالولاياتالمتحدة يتمّ على أعلى المستويات، واجتماعات الطرفين مع العشائر العربية فى دير الزور والتى زار زعماؤها أنقرة فى الأسابيع الماضية، مع مظاهرات ضد الوجود الكردى فى شرق سوريا، صوّرتها بعض الصفحات على أنها مؤيدة للجيش السوري، بينما هى مؤيدة للجيش التركي!. مما تعلمهُ موسكو أيضًا أنّ تركيا وقّعت اتفاق خفض التصعيد فى إدلب لهدف واحد هو كسب الوقت ومحاولة التوصل لاتفاق مع الولاياتالمتحدة لإنهاء تحالفها مع الانفصاليين الأكراد. مما تعلمهُ موسكو ولم تُصرّح به أنّ الهجمات المتتالية على قاعدة حميميم، استخدمت فيها أحيانًا طائرات مُسيّرة وصل مداها إلى أكثر من 90 كم، وتحمل صواريخ ومتفجرات وتُسيّر عن بُعد، فهل بمقدور الإرهابيين تطوير هكذا طائرات!! مما نعلمهُ وتعلمهُ موسكو أنّ «سُمية رجب أردوغان» تزوجت من «سلجوق بيرقدار» وهو مُهندس الطائرات بدون طيار والمسماة باسمه «طائرات بيرقدار»، هذه الطائرات ذات مستوى عالٍ من الدقة والتقنية توازى مثيلاتها من الصناعة الأمريكية. النسخة القديمة دخلت بتسليح الجيش التركى منذ 2015، أمّا النسخة الحديثة من بيرقدار TB2 فترتفع إلى 8 كم وتحملُ 150 كم من الصواريخ والقنابل ويمكنها التحليق 25 ساعة متواصلة، مع مدى تحليق يصل إلى 6 آلاف كم. المؤكد أنّ طائرات بيرقدار شاركت فى عمليات الجيش التركى ضد الأكراد فى عفرين وعمليات درع الفرات. الطائرات هذه شاركت بعمليات أخرى، وهو ما ذكرهُ النائب عن حزب الشعب الجمهورى آران أردام، باستجواب وزير الحرب التركى فى البرلمان حول الصفقة المشبوهة، بشراء الجيش التركى ل6 منها بمبالغ كبيرة… «أردام» سأل: «ألم تُشارك طائرات بيرقدار فى عمليات عسكرية خارج عمليات درع الفرات؟». لا جواب من وزير الحرب التركي… «هل تُستخدمُ هذه الطائرات انطلاقًا من إدلب من قِبَل الإرهابيين التابعين للمخابرات التركية؟». بالتأكيد لن يُجيبَ عن سؤالنا مصدر مؤكد… الصفقة التركية حسب مسؤول فى حزب الشعب الجمهورى فى برلين، أنّ تركيا تسعى لعقد صفقة مع كافة الأطراف؛ روسياوالولاياتالمتحدة تحديدًا، وهي: «وقف العمليات العسكرية للجيش السورى والروسى والحفاظ على الوضع الحالى فى إدلب، وسوف توافق تركيا «لاحقًا» على تسليم إدلب، مقابل إنشاء منطقة عازلة فى شمال شرق سوريا وحل القضية الكردية نهائيًا». القضاء التام على جبهة النصرة، المُصنّفة إرهابية عالميًا، يعنى ضعف دور أردوغان فى أية مفاوضات قادمة. هنا يبرز الخلاف التركى- الروسي، فأنقرة تدّعى أنّ فى جبهة النصرة الإرهابية، «إرهابيين معتدلون». لا ندرى ما هو معنى إرهابى معتدل!! هنا تُفسّرُ تركيا ذلك بالقول: «هو مُسلّح انضم للنصرة لأسباب تكتيكية»! روسيا من مصلحتها أن يُحرّر الجيش السورى أوسع منطقة ممكنة قبل أية مفاوضات سياسية حقيقية، وتريدُ أيضًا أن تعود الحياة لأسباب اقتصادية إلى الطريق الدولية بين حلب حماة دمشق، وحلب اللاذقية. بالمقابل لا تريدُ موسكو أن تخسر تركيا نهائيًا. الوضع القادم فى إدلب حسب مركز فيريل للدراسات خلال الفترة القادمة، نرى أنّ عمليات الجيش السورى مستمرة. عملية عسكرية شاملة غير واردة حاليًا، فالسياسة العسكرية لدمشقوموسكو تقتضى تحرير المناطق تباعًا، اتقاءً لردة فعل أمريكية تتجاوز التنديد والوعيد. بالمقابل؛ هجمات الإرهابيين لن تتوقف. إعلان هدنة أمرٌ وارد إن تأكدت موسكو من صدق نوايا وإجراءات أنقرة، ومخطئة إن قبلت، ومهما حصل ستكون هدنة «هشّة». تركيا لم تحسم أمرها بخصوص صواريخ إس 400، وهى تحاول كسب الوقت المتاح حتى نهاية تموز عسى أن تستطيع الخروج من عنق الزجاجة، لهذا نرى أنها ستزيدُ من دعمها للإرهابيين وستقوم بتحريك ملفات عسكرية أخرى ضد الانفصاليين الأكراد فى الحسكة والرقة، وضد الجيش السورى فى ريف حلب واللاذقية بالإضافة لإدلب وحماة… ولن يُفاجئنا أن تقوم المخابرات التركية بتحريك الوضع الأمنى داخل المدن الرئيسية السورية… الحديث عن حلف روسى سورى إيرانى تركى غير واقعي، ولن تستطيع أنقرة أن تُدير ظهرها للناتو، فتغريدة واحدة من ترامب وهو يأوى لفراشه، ستهوى بالليرة التركية… هذه حقيقة الاقتصاد التركى لمَن يتوهمُ أنّ تركيا دولة عظيمة!! سياسة تركيا «صِفر مشاكِل» مع الجيران، فاشلة. ومهما قيل عن اجتماعات بين جهات أمنية سورية وتركية، فبوادر حلّ أو شبه اتفاق مازالت بعيدة… سوريا لن ترضى ببقاء شبر واحد تحت سيطرة الإرهابيين شمالًا وشرقًا.