هو أحد كبار حراس دولة التلاوة ممن سرى فى دمائهم وأرواحهم كتاب الله الكريم، فأخرجوه للناس عسلاً مصفى. خصه الله بعذوبة الصوت الذى يأسر القلوب والعقول فتعيش مع القرآن إلى درجة التماهى حيث سُمى الشيخ ب «الصوت الباكي» من فرط تأثيره فى المستمعين بإتقانه لمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعانى والألفاظ القرآنية. عن الشيخ الجليل محمد صديق المنشاوى أتحدث، ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى الخمسين لوفاته إذ قابل وجه ربه فى يوم 21 يونيو 1969م بعد أن ترك تراثًا باذخًا من التلاوة .. ترتيلاً وتجويدًا.. وبلغت شهرته الآفاق بمصر وبكافة أنحاء العالم الإسلامي. فى عام 1920م ولد المنشاوى بقرية المنشأة (محافظة سوهاج) فى أسرة كريمة حملت رسالة القرآن حيث كان والده وعمه قارئين شهيرين للقرآن الكريم. أتم المنشاوى حفظ كتاب الله بكتّاب القرية وهو فى الثامنة من عمره، وبعدها بعدة سنوات انطلق إلى عالم القراءة بعد أن تمَّ اعتماده قارئًا فى الإذاعة المصرية. وقد تأثر المنشاوى بالشيخ محمد رفعت، وكان من أشد المعجبين بصوته وتلاوته، وكان -كذلك- يحب الاستماع إلى أصوات كبار المقرئين الذين عاصروه من أمثال المشايخ العظام: مصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد. وصفه الشيخ محمد متولى الشعراوى مع رفاقه الكبار بأنهم: «يركبون مركبًا ويبحرون فى بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها». تلا المنشاوى القرآن فى المساجد الرئيسية فى العالم الإسلامي: المسجد الحرام فى مكةالمكرمة، والمسجد النبوى فى المدينةالمنورة، والمسجد الأقصى فى القدس. كما زار عددًا من الدول الإسلامية وقرأ بالعديد كالعراق واندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والسعودية وقرأ بها. اشتهر الشيخ المنشاوى بالتواضع الشديد، ولين الجانب، وشدة العطف على الفقراء والمساكين، وحب الخير. ومن أشهر القصص المروية عنه، أنه كان مدعوًا فى إحدى السهرات القرآنية عام 1963م وبعد الانتهاء من السهرة دعاه صاحبها لتناول الطعام مع أهل بيته على سبيل البركة، وحين همّ بالأكل اقترب منه الطباخ وهو يرتجف خوفًا وهمس فى إذنه قائلاً: أوصانى أحد الأشخاص بأن أضع لك السم فى طعامك فوضعته فى طبق سيقدم إليك بعد قليل فلا تقترب من هذا الطبق، وأن شخصًا ما أعطانى مبلغًا من المال لأدس لك السم فى هذا الطبق دون علم أصحاب البيت، وبالفعل امتنع الشيخ عن الأكل من هذا الطبق بدعوى شعوره بالإعياء،.. وبذلك أُنقذت حياة الشيخ المنشاوي.. رحمه الله رحمة واسعة.