بعد فشل سيناريو أمريكا فى إحداث الفوضى الهدامة فى منطقة الشرق الأوسط ،وبعد فشل مخططات أمريكا والغرب فى إحداث القلاقل ونشر التنظيمات الإرهابية فى المنطقة أثناء ثورات الربيع العربي، ومع تدخلات تلك الدول فى الأزمة السورية والليبية وغيرها من بلداننا، ها هى أمريكا تسعى للتحكم فى شئون دولنا من خلال توجيه جيوشها وثرواتها لتكوين ما يسمى بالناتو العربى بذريعة التصدى لإيران وجعلها فى نظرنا العدوة الأولى بالمنطقة ونسيان الصراع العربى- الإسرائيلى وأراضينا المغتصبة، وإذا كنا بالفعل قد أصبحنا مطمعا لتدخلات بعض الدول الإقليمية والغربية فى شئوننا وكيلها لنا، فهل نحن بما نملك من ثروات وطاقات عاجزون فى أن نشكل القوة العربية التى تحمينا من مطامع ومخططات هؤلاء؟ أم أننا تعودنا أن نصدقهم ونثق بهم لنفاجأ بما لا يحمد عقباه من شرورهم، إن تلك الفكرة الأمريكية ليست بجديدة علينا، فلقد سبق أن طرحها الرئيس المصرى مرارا وتكرارا خلال مناسبات وأزمات عربية عدة عاشتها ومازالت تعيشها المنطقة، وبرغم رؤية السيسى الثاقبة والمهمة فإن فكرته برغم عظم قيمتها لم تر النور لاختلاف قادة دولنا وكعادتهم على أمور فرعية وتافهة، وأمام تلك الاختلافات والشقاق حول التوجهات والرؤى أخذت أمريكا زمام المبادرة وعادت من جديد لضمان مصالحها واستنزاف مقدرات المنطقة لتقنع بعضا من قادة دولنا بأهمية تشكيل هذا الناتو على غرار حلف شمال الأطلسى بحجة التصدى لسياسات طهران، ولشكنا ورفضنا للنوايا الأمريكية نحن هنا نتساءل: هل أمريكا وحدها عاجزة عن ردع طهران؟ وهل نحن أيضا عاجزون أن نتصدى لها ولغيرها؟ بالطبع لا، ولهذا وبسبب هذا التوجس من توريط المنطقة من ألاعيب أمريكا الكثيرة ومبادرتها وصفقاتها هذه الأيام أن سارعت مصر ونأت بنفسها عن الجهود الأمريكية لتشكيل هذا الناتو بعد قراءتها المتأنية لاتخاذ مثل هذا القرار، وأبلغت للولايات المتحدة والأطراف الأخرى المعنية بالتحالف الأمنى فى الشرق الأوسط المقترح بعدم رضاها قبل الاجتماع الذى عقد مؤخرا فى الرياض، وعللت مصر رفضها الانضمام لتلك المبادرة الخطيرة بحجة تشككها فى جدية المبادرة، فهى لم تر بعد خطة أولية تحدد ملامح هذا التحالف، ولأن وضع خطة مثل هذه ينطوى عليه خطر زيادة التوتر مع إيران ومخاطر التدخلات الأمريكية فى المنطقة، ناهيك عن الغموض المحيط بما إذا كان الرئيس ترامب سيفوز بولاية ثانية العام القادم من عدمه، واحتمال أن يتخلى من يخلفه عن المبادرة، وهما العاملان اللذان أسهما فى اتخاذ مصر ضمنا لقرارها بالرفض، ولهذا فإن مصر لم ترسل وفدها إلى الاجتماع الأخير الرامى لدفع الجهود التى تقودها واشنطن لجمع الحلفاء العرب فى معاهدة أمنية وسياسية واقتصادية للتصدى لإيران . هذا وتعمل إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على وضع أسس لتشكيل تسميه بالتحالف الاستراتيجى فى الشرق الأوسط، وهو الاسم الرسمى لما أطلق عليه الناتو العربى الذى يفترض أن يشمل وفقا للمخططات الأمريكية، ست دول خليجية عربية هى: البحرين وقطر والكويت والإمارات وعمان والسعودية، إضافة إلى مصر والأردن ، ولهذا فقد قام وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو بجولة فى هذه الدول مطلع العام، سعيا منه إلى التقريب بين الدول الثمانى الأعضاء المحتملين فى هذا التحالف، فهل يتنبه قادتنا إلى عدم التورط فى تلك المبادرة واتخاذ القرارات الصائبة وتوحيد المصالح والرؤى وعدم السماح بتدخلات الغير فى شئوننا قبل فوات الأوان؟