حين رأيتها تتحدث كانت سيدة مثقة جميلة واعدة وتحلم لوطنها بالكثير ولكن أرادت المحاورة أن تسألها عن يدها وساقها الجديدتين اللتين تم انتزاعهما رغما عنها في محاولة لاغتيالها بزرع عبوة ناسفة في سيارتها لكنها بكل قوة ضحكت قائلة إنها أفضل ما يكون وتخيلت للحظات أي امرأة قد يسلب منها جسدها وحجم المعاناة التي سوف تلاقيها وهل سوف تخرج للمجتمع مرة أخري فالنساء غالبًا بعد مرورهم بعمليات استئصال أجزاء من جسدهن يدخلن في اكتئات شديد ويؤثرن الوحدة والعزلة لكنها قدمت نموذجًا للمرأة العربية ذات البأس والإرادة في المضي قدمًا في الحياة والعمل الوطني وكيف أن يكون الإنسان مؤمنًا بقضيته مخلصًا لوطنه أيًا كان اتجاهه أو معتقده وألا يحيد عن مبدأه مهما كلفه الأمر. إنها الدكتورة الصحفية والإعلامية مي شدياق التي جاوزت المستحيل بزرع أعضاء اصطناعية لتكمل جهادها، جميلة كما هي وحقًا الجمال ينبع من داخلنا ينعكس علي قلوبنا ووجوهنا، المرأة إن أرادت جاوزت المدي. مي شدياق هي صورة حية لانتصار الإرادة في الخلاص من الألم ورثاء الذات، يقول وليم جميس وهو من رواد علم النفس الحديث إن تقبل المصائب بالشجاعة والتسليم للقدر، هو الخطوة الأولي في سبيل النجاة من عواقبها، والموت يعد المصيبة الأكثر إيلامًا للإنسان، لجهله موعد قدومه من جهة وغموض مصيره المستقبلي من جهة أخر أما غير ذلك فيمكن تجاوزه. لذلك كانت ملهمة لكثير من النساء اللاتي عانين علي مختلف الأصعدة وفي حياتهن اليومية فتجاوز المحن يحتاج لتعلم ولنموذج يحتذي به وأنا هنا أرصد حالة يجب أن نقف عندها. وهي الآن تواجه عاصفة من التنكيل الشرس وأنا أراه اغتيالًا آخر في أبشع صوره بعد ما أرادت ترشيح نفسها عن دائرة كسروان بلبنان وكان هذا باعتبارها نصف إنسان لما فقدته من جسدها فلا يحق لها الترشح ويعد مخالفة للدستور. ماذا حدث للإنسانية أصبح السوء والإهانة والتطاول والإقصاء سمة من سمات البشر، الآن ليس هناك حد نقف عنده أما آن الأوان جميعًا أن نشعر بأن هذا يكفي، لن نسمح بتجاوزات في حق الآخر، أين اللغة المهذبة؟ أصبحنا نتصارع نتقاتل من أجل ولصالح من؟! التعاسة لنا جميعًا إذا أصبحنا وحدنا وحولنا المجتمع إلي غابة موحشة. أما أن يكون البشر أكثر قسوة وضراوة من ضربات الزمن فهذا قبر فُتح علي مصراعيه لدفن الإنسانية إلي الأبد. بقلم- نانيت نوار