إذا كان الشعر هو «ديوان العرب»، فإن لهذا الديوان فى العصر الحديث «أميرًا متوجًا» بحكم الموهبة الباذخة والمكانة السامقة، هو «أحمد شوقى» والذى تحل علينا هذه الأيام ذكرى ميلاده ال 150. ففى يوم 16 أكتوبر 1868م، كان ميلاد شوقى فى حى الحنفى بالقاهرة لأسرة من أصول شركسية، وتولت جدته لأمه- والتى كانت تعمل كوصيفة فى قصر الخديوى إسماعيل- تربيته حيث نشأ معها فى القصر، ولما بلغ الرابعة من العمر ألحقته جدته بكتّاب الشيخ صالح لحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية حيث أظهر فيها نبوغًا ملحوظًا، وانكب على قراءة دواوين فحول الشعراء، ومن ثم بدأ الشعر يجرى على لسانه. وفى سن الخامسة عشرة، التحق شوقى بمدرسة الحقوق وانتسب إلى قسم الترجمة الذى كان قد أنشئ بها حديثًا، وهنا بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ محمد البسيونى الذى رأى فيه مشروع شاعر كبير. بعد ذلك، سافر شوقى إلى فرنسا لتكملة دراسته على نفقة الخديوى توفيق، وهناك اشترك مع زملاء البعثة فى تكوين «جمعية التقدم المصري»، والتى كانت أحد أشكال العمل الوطنى ضد الاحتلال الإنجليزي، وربطته آنذاك صداقة حميمة بالزعيم الوطنى مصطفى كامل. وقد أدت معارضته للإنجليز ومناصرة القصر ضدهم إلى نفيه إلى إسبانيا حيث دخل فى مرحلة شعرية جديدة بعيدًا عن المديح الغالب على شعره سابقًا، مستفيدًا من اطلاعه على الآداب العربية بالأندلس، فضلًا عن اتقانه لعدة لغات وقراءته لكبار شعراء أوربا إذ بدأ يعبر عن مشاعر اللوعة والحزن على نفيه من مصر .. ومن ذلك قوله: «يا ساكنى مصر إنا لا نزال على.. عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا- هلا بعثتم لنا من ماء نهركم.. شيئًا نبل به أحشاء صادينا- كل المناهل بعد النيل آسنة.. ما أبعد النيل إلا عن أمانينا». ويُعد ديوان «الشوقيات» (4 أجزاء) الشاهد الحى على تولى شوقى لإمارة الشعر العربى فى العصر الحديث، فيما تنوعت أشعاره ما بين: الغزل، والمدح، و الرثاء، والوصف. وله فى الشعر الدينى العديد من القصائد مثل: قصيدة نهج البردة والهمزية النبوية التى عارض فيها (بردة البوصيرى وهمزيته) التى يقول فيها:» وُلِد الْهُدى فالْكائِنات ضِياءُ.. وفَمُ الزَّمانِ تَبَسُمٌ وثَناءٌ». ولا يعرف الكثيرون أن لشوقى كتابات نثرية منها: رواية «عذراء الهند»، وله العديد من المقالات الاجتماعية التى جمعت عام 1932م (عام وفاته) تحت عنوان «أسواق الذهب». فى عام 1927م، بايعه الشعراء العرب أميرًا للشعر، وبعدها تفرغ شوقى للمسرح الشعرى إذ يُعد الرائد الأول له؛ ومن أشهر مسرحياته الشعرية: مجنون ليلى- مصرع كليوباترا- على بك الكبير- قمبيز.