«العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما».. (حديث شريف) ومن أركان الإسلام حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا. أى ان الحج وهو فريضة تسقط عمن لا تتوفر لديه القدرة التى حددها الدين (مالية. بدنية. اجتماعية أو أمنية). بذلك يصبح من باب أولى مراعاة أن العمرة (وهى ليست فرضًا) تؤدَّى عند المقدرة باعتبارها سُنّة وشعيرة تطهّر النفس وتغسلها من الذنوب والخطايا. ولكن أن يصبح أداؤها مرارًا من قبيل الوجاهة الاجتماعية والتباهى بالمقدرة بين الناس فهذا أمر غير محمود. وقد صدر مؤخرًا قرار وزارة السياحة بفرض رسوم إضافية تقدّر بألفى ريال سعودى على من سبق له أداءها. أما من يسافر للمرة الأولى فلا زيادة غير ما هو معروف. هذا القرار أثار جدلًا واسعًا تناولته وسائل الإعلام بشكل يغلُب عليه عدم الرضا لما يحمله من وجهة نظر البعض أنه يُعَد تدخلًا فى الحرية الشخصية. بل ذهبت طائفة إلى أنه قيد على ممارسة العقيدة الدينية. ولكن دعونا ننظر بحيادية تامة إلى ما لهذا القرار من منافع وما يؤخذ عليه من أضرار. وبعيدًا عن المزايدات التى لا طائل منها. فإن ما عليه هو التوقيت غير المناسب لإعلانه والعمل به وقد أصبح قدوم شهر رمضان قاب قوسين. وهو الموسم الأكثر ازدحامًا بطلبات العمرة. وفى الحديث الشريف «عمرة فى رمضان تعدل حجّة» (المقصود فى الثواب). كذلك فان الفترة السابقة لفتح باب العمرة غير كافية لتدارك الأمر وإعادة الحسابات لكل راغب فى السفر وأيضا لتنظيم عمل شركات السياحة والسفر وما يشكله هذا القرار (قد) يكون عبئًا ماليًا يضيق به البعض. أما ما للقرار من منافع فيتمثل فى: أولًا: نظرًا لتحديد عدد المعتمرين من كل دولة بمعرفة الدولة المضيفة وهى المملكة العربية السعودية التى حددت لمصر خمسمائة ألف معتمر فى العام ينفذ منها 20% فى رمضان فلو تُركت الأمور على ما هى عليه فى حرية كل الناس للسفر لواجهت مصر كغيرها مشكلة انعدام تكافؤ الفرص. فغير القادر لن يتمكن من السفر مع ارتفاع التكاليف المرتبط بالعرض والطلب. وسيظل الفقير الذى يدخر من قوت يومه ليحظى بمرة واحدة محرومًا منها. ثانيًا: من الطبيعى أن تحديد نسبة لكل دولة يرتبط بحسابات وتنظيم عمليات السفر بمختلف وسائله وإمكانيات التسكين والإقامة وسبل التنقل داخل المملكة ومتطلبات المعيشة من مأكل ومشرب وعلاج.. فقد حدث فى سنوات سابقة ولأكثر من مرة حالات وفاة وإصابات أغلبها بفعل الزحام والتكدس فى أوقات بعينها فى أماكن المناسك. ثالثًا: هذا القرار إذا ما أُحسِنتْ دراسته من حيث التوقيت وتحديد القيمة الإضافية سيجعل ممن اعتادوا أداء العمرة سنويا يعيدون النظر فى أوجه الإنفاق فى سبيل الله داخل بلادهم كالمساهمة فى بناء المدارس والمستشفيات ومساعدة الأسر الفقيرة وكثير من أعمال الخير التى تزيد التكافل والتراحم بين الناس. وهنا يبرز دور المؤسسات الدينية وأجهزة الإعلام فى توضيح ذلك وتفعيله. وأقول إن التوبة وغسل الذنوب لا يحتاجان إلى سفر. أخيرًا حتى وإن كان من مقاصد الزيادة المفروضة إدخال جزء منها إلى خزينة الدولة فهو يعود على المواطن فى صورة خدمات. وفقنا الله وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال..