قرار تقنين العمرة وفرض رسوم على من يعتمر أكثر من مرة تأخر سنوات كثيرة. البعض يعتمر مرتين وثلاث في العام الواحد وربما أكثر من ذلك لأنه يملك المال خصوصا عقب قيام بعض الشركات بتقسيط التكاليف. الذين يقيمون بالقرب من المشاعر المقدسة أو في المملكة العربية السعودية لا يكررون العمرة رغم قلة التكلفة. كما أن السلطات هناك تقنن الحج بحيث تصرح به لحجاج الداخل كل عدة سنوات. الله سبحانه وتعالى اشترط الاستطاعة لأداء فريضة الحج وجعلها مرة واحدة في العمر. انتقادات البعض لقرار التقنين تستند على عواطف دينية فقط ولا تقوم على أية أحكام. أما من يتحجج بحرية السفر والتنقل، فالتقنين لا يمنعهما ولكنه يفرض رسوما إضافية، فمن يملك القدرة لن يتردد في دفعها ولن يعجزه ذلك. مليارات من العملة الصعبة تهاجر إلى الخارج بسبب العمرة والحج المتكرر، ولو فتحت بها مصانع وشيدت بها مساكن وذهبت لتطوير المستشفيات ودعم المجال الصحي، وإطعام الفقراء والمساكين، فهذا أجدى وأكثر ثوابا عند الله سبحانه وتعالى. قس على ذلك أمورا أخرى تنفق على التدين الظاهري مثل بناء المزيد من دور العبادة رغم تقارب المسافات بينها وخلو بعضها من الناس وما تكلفه مرافقها من مياه وكهرباء. هذا ليس انتقادا للتدين ولا انتقاصا من قيمته وأثره الايجابي على المجتمع، ولكنها محاولة لترشيد الانفاق المظهري الذي لا ضرورة له ليوجه لبناء مصنع أو رصف شارع أو إعانة محتاجين أو علاج مرضى الفقراء. الحج والعمرة مرات متعددة من نوافل العبادات، أو بالمعنى العصري من الكماليات التي يجب تقديم الضرورات عليها، طبعا باستثناء الحجة الأولى التي هي فرض على المستطيعين ماليا وصحيا. بعض الناس من المقتدرين جعل الحج والعمرة أكثر من مرة وسيلة لإظهار التميز الاجتماعي والوجاهة والثراء، فإذا أراد ذلك فليدفع أكثر من الذي يحج أو يعتمر مرته الأولى، ولا ينبغي له أن يغضب أو يتأفف أو يحتج بفتوى أحد الشيوخ من هيئة كبار علماء الأزهر بأنه لا يحق منع أي مسلم داخل الدولة من أداء الفريضة أو النوافل. نكرر هذا ليس منعا بل رسوما إضافية، مع أنني كنت أتمنى أن يشمل التقنين المباعدة بين العمرتين ثلاث أو خمس سنوات في ظل الظروف الاقتصادية الحالية والحاجة إلى العملة الصعبة، حتى لا نرهق المواطنين بمزيد من ارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن الخدمات الضرورية للحياة. في السعودية يجري تقنين الحج، مرة واحدة كل خمس سنوات لحجاج الداخل، لإعطاء الفرصة لمن لم يحج والحد من الأعداد الكبيرة وغير النظامية التي تقوم بحج النوافل سنويا. وتفرض اجراءات صارمة لتنفيذ ذلك منها ضرورة الحصول على تصريح والانضمام لإحدى حملات الحج المصرح لها، فإذا افتقد الحاج أي شرط من ذلك يتم إعادته من أول نقطة تفتيش يمر عليها. المخالفون من المقيمين يتم ابعادهم خارج المملكة ومنعهم من الدخول عشر سنوات، وتفرض غرامات على المواطنين. السعودية كانت قد أقرت نظاما قبل أكثر من عامين لمنح تأشيرات الحج والعمرة، ينص على منحها مجانا لمن يطلبها للمرة الأولى، ومن يتقدم لها مرة أخرى يكون ذلك بمقابل مالي 2000 ريال سعودي أو ما يعادلها. حينها غضبت شركات السياحة الدينية في مصر لأنها في الحقيقة تستنزف بالعمرة والحج المتكرر أموال الناس باستثارة التدين الفطري عند العامة. ستخسر هذه الشركات من التقنين خصوصا في ظل ما تعانيه مصر من ركود سياحي، فعدد المعتمرين المصريين سنويا يزيد عن مليون و300 ألف معتمر، مع ملاحظة الارتفاع الكبير في التكلفة نتيجة التعويم وهبوط سعر الجنيه المصري. من هنا نتفهم غضب أصحاب تلك الشركات بدعوى البكاء على حق المسلمين في العمرة والحج بدون قيود، وهو في حقيقته بكاء على الأرباح التي تدخل خزائنهم. [email protected]