لاحظت فى الآونة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال المعاملات المباشرة أيضا انتشار فكرة غريبة بين اوساط كل فئات المجتمع بلا استثناء تقريبا، ألا وهى ارجاع كل ما يصيب شخص ما الى (العين) والحسد!! فهذه مريضة تكتب(اللى مركز معايا .. ينسانى شوية)، وهذا تعرض لحادث وفورا تجد على صفحته (ارحمونى من عيونكم)، وأخرى يتم إلغاء سفرها فتندد بالعين (الشريرة) !! وغيرها وغيرها من النماذج التى يربط بينها تعرض أصحابها للعين الحاقدة الحاسدة، وتأملت قليلا فى أحوالهم لعلنى أجد مبررا لإحساسهم الدائم بالحسد ، وكمحاولة لمعرفة سر هوس الحسد الذى اجتاح الجميع!! ولا شك أن فكرة الحسد هى موروث اجتماعى متأصل فى معظم المجتمعات الإنسانية رغم اختلاف الثقافات والديانات ومستوى التمدن ...الخ فهناك كتابات سومرية من 300 سنة قبل الميلاد عن العين الشريرة، ولدى الرومان واليونان عين الموت التى تدل على تأثير الحسد، والاسبان لديهم رموز قديمة لدحر العين الشريرة، وبالطبع قدماء المصريين لديهم عين حورس التى تحمى من يرتديها (أغلب المتخصصون يفسرونها بأنها للحماية من الأرواح الشريرة والأعداء لكن البعض يفسرها كحماية من الحاسدين) فهل يمكن تبرير كل سوء يصيب الإنسان بالحسد كقوة تأثيرية حقيقية؟! أم أن ذلك يعتبر مبالغة ووسواس يصيب صاحبه فيجعله يظن أن كل مكروه يصيبه انما هو دليل على كونه محسودا ؟! بالرغم من أن كل انسان قد يتعرض للابتلاء كما يتمتع بالكثير من النعم !! وقبل ان يهاجمنى المعترضون دائما بقولهم أن الحسد مذكور فى القرآن الكريم، أقول بالطبع لا أنكره لكنى لا اجعله سببا لكل بلاء، وإلا فلماذا لا يصيب كل نعمة فى حياتنا ؟! والحسد فى تعريفه البسيط هو تمنى زوال النعمة لدى الغير، ويختلط فى أذهان الناس بالغيرة أو التنافس، وغالبا ما ينتج عن مقارنة اجتماعية بين الشخص الحاسد والاخرين، ويتضمن شعورا سلبيا تجاههم بسبب ظنه بان لديهم من الأشياء أو الصفات .. الخ ما هو أحق بها منهم فيتمنى أن يفقدونها. ويشيرعلماء الطاقة (علم الطاقة المسمى ريكى ظهر فى اليابان، ويهتم بقياس الطاقات غير المرئية - سواء الكونية أوالحيوية الموجودة لدى كل كائن حى- من خلال اجهزة دقيقة) إلى أن دراسة الاشعاعات المنبعثة من جسم الانسان وقياس مساراتها وكمياتها ومستوياتها يجعلنا اكثر فهما لبعض الظواهر، وقد أثبتت دراسات الطاقة ان الحاسد يرسل طاقة سلبية تؤثر على المحسود. ويمكن القول ان الحسد تبعا لعلم الطاقة هو قوة روحية هائلة يستطيع حاملها إذا ما تهيأت له الظروف ان ينتقم أو يحقد (يحسد) باصدار موجات سلبية تؤدى الى احداث ضرر فى حياة الشخص الذى يقع عليه الانتقام ، وقد يكون الضرر ماديا أو جسديا او نفسيا!! وفى محاولة لتفسير الحسد، وهل هو شعور وسلوك إنساني طبيعي؟ أم هو اضطراب أو عرض لاضطراب نفسي؟ أو يجمع بين هذا وذاك؟! يرى علم النفس أنه انفعال مركب يختلف عن الانفعالات الرئيسية الغريزية كالخوف والغضب والحقد والامتعاض والقلق والحزن، فجميعها تزول بسرعة نسبيا وتفقد قوتها تدريجيا، لكن الحسد هو حالة معقدة تتسم بالاستمرارية بنفس القوة والشدة، وهو انفعال مؤلم ومربك ويستند إلى تصورات تجعل الحاسد يشعر بالتعاسة والإحباط وعدم الراحة بسبب رغبته واهتمامه بما ينقصه ويمتلكه آخرون، والحسد يثير الحقد والكراهية ويدفع إلى تمنى وقوع الأذى للشخص المحسود. أما علم الاجتماع فيرجع الخوف من الحسد كظاهرة اجتماعية إلى التنشئة الاجتماعية التى تجسد الخوف الغريزى للانسان من فقد ما لديه فى صورة الاعتقاد فى الحسد. وكان من الافكار الشائعة هذه المعتقدات وطقوس تفاديها تنتشر فى الطبقات الشعبية والريفية نظرا لارتباطها بالتراث الشعبى، ولكن علم الاجتماع أكد أن الطبقات الأخرى لديها ايضا نفس المخاوف من الحسد ولكن الأفراد فى الطبقات الأعلى يحاولون اخفائها تجنبا لاتهامهم بتصديق الخرافات الشعبية. والحسد من اقوى الافكار الاجتماعية المتوارثة التى آمن بها المجتمع المصرى، وساهم الفن ايضا بدور لا يستهان به فى تكريس هذه المعتقدات، هل ينسى أحد المشهد الخالد (للست أمينة وهى تبخر سى السيد خوفا من الحسد) فى ثلاثية نجيب محفوظ، وحورية فى مسرحية الهمجى، والمشاهد المتكررة عن (صنع عروس رمزية تمثل الحاسد وثقب عيناها تخيلا انها عين فلانة وفلانة) ...الخ ومازالت هناك فى عصرنا هذا ممارسات عفوية تلقائية تتم لاتقاء شر الحسد، وهناك تمائم خاصة فى كل بلد لمنع الحسد، على سبيل المثال يعتبر البخور من الطقوس الهامة ضد الحسد فى كل البلاد العربية تقريبا، فى تركيا تتم إسالة الفضة (صب الفضة) والشهقة مع لمس السن الأمامية أو الأذن، وفى المغرب العربى حمل (حجاب) لمدة 40 يوم، وفى العراق ايضا بالاضافة للخرزة الزرقاء المثقوبة 7 ثقوب، وفى اليمن تعد حدوة الحصان والكف الازرق وسائل هامة ضد الحسد، ولدينا فى مصر الكف والعين والخرزة الزرقاء ورش الملح و(مسك الخشب) مع الاقوال المأثورة ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وجملة (خمسة وخميسة) و(النهاردة الخميس يوم خمسة شهر خمسة)، وبالرغم من عدم وجود تفسير لفكرة العدد 5 كاتقاء للحسد لكنى أذكرك عزيزى القارئ أن (النهاردة الخميس وبعد أيام قليلة يبدأ شهر خمسة) !! إن كلها طقوس شعبية قد لا تفيد فى اتقاء الحسد لكنها أيضا لا تضر، والأهم من كل ذلك أن لدينا حصن قرآنى يقى كل من يحتمى به ألا وهو المعوذتين فكيف نخاف الحسد والله قد منحنا درعا لحمايتنا!!