تغلغل بسحر صوته واصالة موهبته الي الاعماق، وصفحة ابداعية من اجمل صفحات قوة مصر الناعمة .. شيخ الملحنين سيد مكاوي احد المحطات التراثية الهامة في تاريخ الموسيقي الشرقية، وصاحب مدرسة فريدة تضرب باعماقها الي الجذور المصرية شديدة الخصوصية والاصالة، جمع بين موهبتي التلحين والطرب ،فقد انتمي الي مدرسة زكريا احمد في التطريب، واقترب بشدة من مدرسة سيد درويش التعبيرية. وكان لحن "اسال عليا مرة" للرائع محمد عبدالمطلب بمثابة اعلان عن فصل جديد لهذة الموهبة الثرية التي اعتبرتها سيدة الغناء العربي ام كلثوم امتدادا لعبقرية الشيخ زكريا احمد، وجاء تعاونها معه في اغنية "يامسهرني" بمثابة شهادة له بنضوجه الفني، بحيث اصبحت موهبته تتناسب مع حجم وقيمة حنجرتها الذهبية، ولينضم الي مصاف كبار الملحنين. جاء تعاونه مع الشاعرين فؤاد حداد وصلاح جاهين بداية التحول .. فقد ربطت بينهم صداقة فنية وإنسانيه قوية وتعاون فني اضاف فيه سيد مكاوي بألحانه بعدا ابداعيا موزايا لموهبتي الشاعرين الكبيرين، فقدم مع جاهين العديد من الاغاني الوطنية والعاطفية والاوبريتات الناحجة، اهمها "الدرس انتهى لموا الكراريس" والرباعيات. ولكن يظل اوبريت "الليلة الكبيرة" الاشهر لهما، وتجلت عبقريتهما في شدة بساطة العمل، وعمق مصريته .. فقد نجح المبدعان اللذان رحلا في نفس اليوم في نقل صورة حية لتفاصيل ليلة من ليالي الموالد الشعبية الموجودة في كل مدن وقري مصرالمختلفة، وقد ارتدي فيه سيد مكاوي جلباب الشيخ سيد درويش، فقد كان يحلم بتكرار تجربتة في تلحين الصور الغنائية الجماعية بالحانه شديدة التفرد والخصوصية، وكان الاختيار والاختبار الاصعب، ونجح فيه بتفوق اعتبره المؤرخين تحولا جديدا، واحد حلقات التطور الابداعي في مدرسة سيد درويش. لم تكن الليلة الكبيرة عملا فنيا اظهر فقط موهبة التلحين لدي الشيخ سيد مكاوي لكن أدائه الصوتي المبهر اضاف اليها روعة واحساس نقلنا لسحر ليالي الموالد الشعبية بكل نفاصيلها المصرية الصميمة والدقيقة مثل البائعين والحاوي والسيرك والارجواز، وفنانين جمهور الموالد والأولاد الصغار، وغيرها من تلك المصاحبة لصخب ليالي الموالد وكانت صورة تعبيرية شديدة الابداع. كما تعاون مع الشاعر فؤاد حداد وانتجا للمستمع المصري العديد من الابداعات اشهرها "الارض بتتكلم عربي" التي غناها بصوته، وتقمص فيها روح الكلمات التي صاغها الشاعر فؤاد حداد في قالب جعلها مختلفة عن ما قدم في تلك الفترة في اعقاب 67. وكان أدؤه العبقري في "المسحراتي" العمل الابرز في تعاونه مع فؤاد حداد، واستخدم فيه مرة اخري طبقات صوته المختلفة حيث اكتفي بمصاحبة الة موسيقية واحدة هي الطبلة معتمدا جمال ادائه وقدرته علي التلوين الصوتي وهو الفن الذي أتقنه الشيخ سيد، وبات فارسه الأول، فكان مزيجا ساحرا بين عبقريتين "فن التعبير" و"فن التطريب" واداء يمثل السهل الممتنع، ورغم اداء الكثيرين لشخصية المسحراتي يظل اداء سيد مكاوي فارقا. يحسب لسيد مكاوي الريادة في عمل المقدمات الغنائية للمسلسلات الاذاعية، واستحدث خطا تلحينيا جديدا مزج فيه بين بساطة النغمة وعمق الفكرة في قالب كاريكاتيري اظهر خفة ظله المعروف بها، وقدرة فريدة على أداء وتلحين الكاريكاتير مما جعل النقاد يلقبونه بملحن الكاريكاتير. حصل سيد مكاوي علي العديد من الجوائز والاسمة، لكن يظل حب المستمع المصري والعربي اغلي الجوائز التي نالها .. فنان أخلص لفنه فاخلص له محبي فنه، ورغم الغياب لايزال صوته والحانه حاضرة وشاهدة علي موهبته كواحد من حراس التراث المصري الشرقي الاصيل .