كتب نزار قبانى يوما قصيدة اسمها رسالة إلى رجل ما - خطاب امرأة حمقاء، رائعة من روائع نزار المعتادة، القصيدة بلسان حال امرأة تندد بمملكة الرجل الشرقى، وهل هناك من يعبر عن النساء والعشق أفضل من نزار ؟! بعض كلماتها تقول ((يا سيدى العزيز.. هذا خطاب امرأة حمقاء.. هل كتبت إليك قبلى امرأة حمقاء؟ دعنا من الاسماء.. أخاف أن أقول ما لدى من أشياء.... قل ما تريده عنى فلن أبالى.. سطحية غبية مجنونة بلهاء.. لم أعد أبالى.. لأن من تكتب عن همومها فى منطق الرجال امرأة حمقاء.. ألم أقل فى أول الخطاب أنى امرأة حمقاء)) انها قصيدة تلخص حال نساء الشرق، مصادرة حقها فى الحب والحياة وحتى حق التعبير عن نفسها!! انه المجتمع الذكورى مهما ادعى غير ذلك، قصة الرجل الذى يمنح نفسه كل الحقوق دائما متجاهلا أن هناك جنس آخر يعيش معه نفس الحياة، أتذكر قصة صديقة لى، انها القصة المتكررة فى كل زمان وكل مكان، تأتى البدايات جميلة دائما، وتسير فى دروبها المختلفة حتى تصل لنفس النهاية، قصة الرجل الشرقى الذى يقدم نفسه كفارس نبيل، يغمر حبيبته بمشاعر الحب والاهتمام والرعاية والحماية ...الخ يغدق عليها الكلام المعسول والوعود، ويستقبل منها أجمل مشاعرها، تمنحه حبها واهتمامها ووقتها وقد تغير حياتها من أجله، هكذا سارت قصة صديقتى حتى وصلت لمرحلة أن تتخلى عن كل طموحاتها وأحلامها الذاتية من أجله فقط، أصبح هو حلمها الوحيد، حبه وارضاؤه وسعادته غايتها، وعندما تيقن من فناء ذاتها لأجله باغتها بالقسوة والاهمال والغدر والخيانة، مع اتهامها بالتقصيىر وعدم التحمل وسوء تقدير الأمور وحبها المزيف الهش ...الخ متناسيا أو متجاهلا كل ما فعلته. اذكر جيدا ملامحها الذابلة وانكسارها ودموعها ومحاولاتها االمستميتة لاستعادة مشاعره، وإنكار هذه التغيرات التى طرأت على حياتهما فى محاولة نفسية لا إرداية يقوم بها عقلها الباطن لحمايتها من نتيجة مواجهة الحقيقة وتقبلها!! كانت تجلس معنا كالشبح، تفكر به وتتفقد تليفونها المحمول كل ثانية أملا فى كلمة منه، تعيد قراءة رسائله السابقة، لا تمل من رؤية صوره، تجن حينما تكتشف أن شبكات المحمول ضعيفة فى المكان الذى تتواجد به خشية أن يتصل بها ولا يعثر عليها، تتوهم سماع النغمة المخصصة لاتصاله، تتابعه عبر كل مواقع التواصل الاجتماعى لتطمئن انه بخير، وطبعا لا تشارك بالحديث إلا عنه!! وتستهجن أى كلمات من نوعية (المشاعر لا تستجدى، والتوسل لا يتفق مع الحب) وظلت تذبل وتنطفئ وتعتزل كل مظاهر الحياة التى فقدت بهجتها بالنسبة لها حينما تيقنت من الحقيقة، ثم بعد فترة طويلة تغلبت على التجربة الموجعة وعادت إلى نفسها مليئة بالتفاؤل والحيوية والاقبال على الحياة، ولم يعد اسمه أو سيرته تؤثر عليها، وسألتها هل كرهته؟ فردت لا لكن لم أعد أحبه، لا يهمنى أمره. انه قول موجز، انها لا تحبه ولا تكرهه، فقط هى لا تبالى!! لقد تخطت كل ما حدث حينما آمنت بأنها تستحق الحياة، وأن السعادة حق لها كما هى لكل إنسان. أتذكر كلمات قرأتها ولا أعرف كاتبها (لقد عذبتنى يوم كنت ملكا لك، أذلنى حبك واستعبدنى رضاك، كان بامكانك أن تجعلنى أسعد إنسانة فى الوجود، لكن قسوتك روعتنى!! سيجئ اليوم الذى نتبادل فيه الأماكن، فابتسم أنا، وتبكى أنت، تتوه وتتمزق وتذوب نفسك حسرة!! انتبه، لو تمردت كرامتى على حبى، فإننى لن أرحمك لو بكيت، لن أسمعك لو ناديت، سأترك الأيام تسحق بقايا نفسك!! أفق، فأنا حبك الذى لن تفنيه السنين!!) كلمات مؤثرة تحمل معانى الألم مع الأمل، فى البداية تشرح احساسها وتحلم بتبادل الأدوار، ثم تحذره من استيقاظ كرامتها وتمردها، لكنها فى النهاية تنبهه - بأمل دفين كأنها تستجديه لتمنحه فرصة أخيرة - أن يدرك قيمة المشاعر!! انها رسالة مختصرة من امرأة مقهورة تتمسك بأهداب أمل بعيد المنال!! يقال أن الحب هو محور حياة المرأة، لكنه لدى الرجل جزء من اهتماماته، كم من فتاة تركت دراستها أو عملها من أجل من تحب؟ كم من فتيات تركن أوطانهن لمرافقة ازواجهن فى بلاد غريبة؟! كم منهن ضحت بطموحها الشخصى وذابت فى بوتقة من تحب؟! رأيت الكثيرات يتخلين عن صديقات العمر لمجرد ارضاء الطرف الآخر!! في المقابل لم أسمع عن نفس المواقف من الرجال، فلا يوجد رجل من الممكن أن يتخلى عن فرصة ولو ضئيلة من أجل حبيبته، الرجل فى مجتمعنا الذكورى لا يتخلى إلا عمن يسميها حبيبته!! قد يرى البعض أنها مقولة تناسب العصور الماضية حينما كانت الفتاة محرومة من التعليم والعمل..الخ وكانت أحلامها تنحصر فى الحب والزواج والانجاب، لكن الواقع أن كل امرأة ترغب فى الحب، مهما بلغت من التعليم ومهما نالت من مناصب، بل حتى وإن رفضت الزواج، يبقى الحب هو الحلم الأنثوى، تختلف الأفكار والطباع والشخصيات والثقافات والطبقات الاجتماعية والمناصب والمستويات المادية ..الخ، ويبقى الحب على قائمة أولويات النساء !! عزيزى الرجل الشرقى لا فضل لك فى كونك رجلا ذكرا فهكذا خلقك الله، لكن أخلاق الرجولة الحقيقية تحتاج منك جهدا لتكتسبها وتتسم بها. عذرا .. فالحب حلم النساء هو الحب الايجابى الذى يمنح طرفيه السعادة، وليس الحب المريض الذى يقضى على صاحبه، عليك أن تؤمن بالحب كعلاقة تبادلية، لن يمكنك الأخذ دائما دون عطاء، لا يمكنك التمادى اعتمادا على قوة تحمل الطرف الآخر ومشاعره تجاهك، فالحب هو العصا السحرية التى تلمس القلب لتسكن أحدهم بداخله، وتضفى على صاحبها اشراقا، وتلون الحياة بالبهجة، وليس طلقة رصاص تصيب القلب لتقتله.