تناولنا في المقال السابق نظرية الحرية وعلاقتها بالإعلام، والآن لننتقل للحديث عن نظرية السلطة ( Theory Authority) والتي تعد واحدة من النظريات الإعلامية التي عبرها تقوم الوسيلة الإعلامية بتحديد الأطر العامة لسياستها التحريرية، ويذهب دعاة تلك النظرية إلى أنه يتحتم تقديم مصالح الجماعة،أو السلطة الحاكمة على مصلحة الفرد، ومن ثم يجب عدم الالتفات لمن ينادون بحرية الفرد باعتبارها ستؤدي حتماً إلى الفوضى، وتتبنى تلك النظرية في الوقت الحاضر دول العالم الثالث فإعلامها في أغلبه إعلام حكومي سلطوي، وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت الأداة التي استخدمتها الأنظمة النازية والفاشية في إخضاع شعوبها وتدجينها. وفي ظل هذه النظرية يجري الدفاع عن النخبة الحاكمة طوال الوقت، وتقوم الحكومة بمراقبة كل شيء قبل نشره، كما يحظر على وسائل الإعلام نقد السلطة الحاكمة، ولعل تجربة إعلام هتلر هي أشهر الأمثلة المعبرة عن تلك النظرية والتي قادها جوبلز وزير إعلامه، أما في التاريخ المعاصر فستتجسد أمام أعيننا التجربة المصرية قبل ثورة 25 يناير، حيث تقديم الإعلام ما تريده السلطة الحاكمة في ذلك الوقت وليس ما يجري واقعاً على الأرض.
والجدير بالذكر أن نظرية السلطة وكما يؤكد كثيرون هي أولى النظريات الإعلامية تبلوراً، فلقد نشأت في أوروبا في القرن السادس عشر، ويُرجع البعض جذورها الفكرية للفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون الذي ذهب إلى أن المساواة المطلقة للجميع ومشاركتهم الرأي هي أمور من شأنها أن تقود إلى انهيار الدولة، فالجماهير غير قادرة على اتخاذ القرارات العامة، فوفقاً لأفلاطون يعد الشعب غير جدير بأن يتحمل المسؤولية أو السلطة، فهي ملك للحاكم وحده.
ويعد ميكيافلي واحداً من أبرز منظريها فقد دعا إلى سيطرة الدولة بشكل مطلق على كل شيءٍ، مؤكداً أن الرقابة على الفكر في المجتمع هو في نهاية الأمر لأجل مصالح الدولة العليا، فالغاية عنده تبرر الوسيلة، والغاية هنا هي صالح الوطن التي تقتضي سيطرة الدولة على كل شيء .
وبالمجمل ففي ظل هذه النظرية يجري تبرير القرارات التي تصدرها السلطة عبر وسائل الإعلام، كما يحظر على وسائل الإعلام نقد القرارات التي تصدرها السلطة الحاكمة، وقد عبر هتلر عن هذه النظرية بقوله: " إنه ليس من عمل الصحافة أن تنشر على الناس اختلاف الآراء بين أعضاء الحكومة، لقد تخلصنا من مفهوم الحرية السياسية الذي يذهب إلى القول بأن لكل فرد الحق في أن يقول ما يشاء ".
فهي سيطرة الدولة على الرأي العام بشتى الطرق، وكما كان موسوليني يردد:" الكل في الدولة، ولا قيمة لشيء إنساني أو روحي خارج الدولة، والدولة تشمل جميع القيم وتوحدها وهي التي تؤول هذه القيم وتفسرها، إنها تعيد صياغة حياة الشعب كلها" .
وفي ظل هذه النظرية يكون المبرر المطروح في الخطاب السلطوي، وكما يذهب البعض، هو لا يوجد بديل(There is no alternative) وأن النظام القائم من دونه الفوضى، وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان، إذ عبر وسائل إعلامه يجري تسوية طموحات المواطنين بالأمر الواقع وقتل ملكة التجاوز والحلم لديهم كما رأينا في تجربة هتلر وإعلامه الجوبلزي.