ولمن لا يعرف جوبلز, فهو بول جوزيف جوبلز وزير إعلام ودعاية الدولة النازية في عهد هتلر, وأول من ابتكر فكرة استخدام الدعاية في تشكيل وعي الجماهير لخلق رأي عام مؤيد للفكر النازي والدولة الألمانية, ويعد مؤسس الدعاية السياسية الرمادية, فقد كان جوبلز مؤمنا بأنه لا غني لحكومته عن الإعلام, حتي أنه أكد في إحدي خطبه أمام رفاقه من أبناء الحزب النازي وكان من بينهم هتلر نفسه, قائلا: إن الحكومة الجديدة لن تستمر بدون دعاية جيدة, ولن تكون هناك دعاية جيدة إلا إذا كانت الحكومة جيدة فقد أدرك أن كل منهما يحتاج إلي الآخر لكي يقوم بمهمته. لقد وضع هتلر ثقته الكاملة في جوبلز الذي ساعده في تشكيل رأي عام مساند للفكر النازي الذي يسعي به هتلر للسيطرة علي العالم, وإقامة دولة ألمانيا العظمي, وكان جوبلز بارعا في هذه المهمة لدرجة أنه أقنع الألمان بأنهم ينتمون للجنس الآري المتفوق علي كل السلالات البشرية حتي يتمكن من غرس النعرة العنصرية داخلهم فيسهل حشد الجماهير حوله وتجييش الجيوش حتي يسودوا العالم وتكون لهم ثرواته. ويبدو أن جوبلز وهو الخطيب المفوه كان قد أدرك مبكرا مدي خطورة مدعي الثقافة والمتحدثين باسم الشعوب, ولذلك أطلق مقولته الشهيرة كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي, ربما لأنه شعر بأن مثل هؤلاء كفيلون بتنظيراتهم الجوفاء وجدلهم العقيم, بعرقلة مسيرة أي دولة ناهضة. كما أطلق جوبلز قاعدته الشهيرة أكذب.. ثم أكذب.. ثم أكذب حتي يصدقك الناس الأمر الذي جعله بارعا في التلاعب بالحقائق والمعلومات التي يتم تداولها عبر وسائل الإعلام, فوضع أول قواعد الحروب النفسية علي الشعوب المعادية, ليصبح قادرا بالإعلام والدعاية السلبية علي هزيمتهم معنويا تمهيدا لتسهيل هزيمتهم العسكرية, فأصبح عن جدارة رائدا لمجال غسيل العقول والحروب النفسية. لم تنته نظرية جوبلز في الإعلام بموته, بل كان موته بداية انتشار وتقنين وتأصيل لهذه النظرية التي جعلت ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية تحتل مساحات شاسعة من أوروبا وغرب آسيا وإفريقيا أيضا, فأثبتت نظرية جوبلز فعاليتها, وكاد أن يكون النصر حليفا لهتلر لولا تكاتف الدول الحلفاء ضده ودخول أمريكا الحرب وإنهائها بالضربة القاضية, وكان من المنطقي أن تتلقف أمريكا وحلفاؤها نظرية جوبلز وتطور فيها وتسخر لها الكثير من إمكانياتها المادية والبشرية والعلمية والتكنولوجية, فأصبحت الغلبة لمن يسيطر علي الفضاء والإعلام الذي يشكل وعي الناس علي مستوي العالم, ولم تكن ثورة الاتصالات التي حدثت بالعالم خلال نهاية القرن الماضي وبداية الحالي إلا سعيا من دول الغرب للوصول إلي شعوب الكرة الأرضية للسيطرة علي عقولهم وتشكيلها بما يتناسب مع النظام العالمي الجديد, وبدلا من أن تقرب وسائل الاتصال الحديثة بين البشر, أصبحت أداة لاشعال الفتن والحروب بين الأعراق والأديان والمذاهب المختلفة, وساعدت علي تحلل المجتمعات التي عرفت طويلا بحفاظها علي ثقافتها وتقاليدها بداية من اليابان والصين والهند والوطن العربي, وذلك في مقابل تصدير فكرة العولمة والنظام العالمي الجديد وثقافة الكاوبوي الأمريكية. لم يكن ما مررنا به خلال السنوات الماضية إلا نتيجة من نتائج استغلال الأمريكان والصهاينة وانجلترا وباقي دول أوروبا لنظرية جوبلز, وهناك الكثير من الأمثلة علي استخدام الإعلام لتزييف الحقائق ونشر الأكاذيب شهدناها مؤخرا, فلا يقتصر الأمر علي الجزيرة أو قنوات غربية مثل الجرائد والقنوات الأمريكية والبريطانية والقطرية التي يسيطر عليها رأس المال الصهيوني, بل امتد إلي بعض قنواتنا الداخلية وبعض الاعلاميين السائرين علي نفس النهج إما لمصالح خاصة أو باعتبارهم جزء من المؤامرة علي الوطن ولهم بها دور محدد, أو باعتبارهم سذجا لا يدركون أبعاد اللعبة ويسيرون مع التيار الجاري بلا وعي. ويبقي من بين هؤلاء الإعلاميين عدد قليل أدرك جيدا نظرية جوبلز وقرر أن يفسدها باستخدام نفس مقوماتها لكن مع تعديل بسيط, فبدلا من استخدام قاعدة اكذب حتي يصدقك الناس, أصبح البديل الوحيد للتعامل مع المصريين بذكائهم المعروف هو أصدق وقل الحقيقة ولكن باللغة التي يفهمها الناس وذلك احتراما لعقلية المواطن واتساقا مع نبل هدف الدفاع عن الأرض ضد الطامعين فيها من الخارج من ناحية, ومن ناحية أخري ضد عبث الخونة والعملاء الموجودين بالداخل.