مازالت أجواء الحزن تخيم على قلوب القراء فى مصر والعالم العربى كصدى متوقع للرحيل المفاجئ للدكتور/ أحمد خالد توفيق عن دنيانا الفانية. فور إعلان الخبر اتشحت (السوشيال ميديا) بالسواد وتحولت إلى كتاب خاص بالعراب ، يحكى كلماته ومؤلفاته ومقالاته وذكريات قرائه معه ، كلمات التأبين لم تكن هى الكلمات المعتادة والتقليدية ، فجمهور العراب لهم عالم خاص يتسم بأسلوب ومفردات وتعبيرات وتشبيهات مختلفة تماما عن كل ما هو مألوف ، وكيف لا يكون كذلك وهو عالم خلقه قلم أحمد خالد توفيق من أجلهم ؟! كتب واحد من قرائه المخضرمين كلمات مؤثرة أبكتنى وأبكت كل من قرأها ((الوداع ايها العراب .. قاس رحيلك .. وكأنك تنتزع جزء من أرواحنا انتزاعاً ، وتطالبنا بالصبر !! مبكر رحيلك .. تركت خلفك أجمل إبداعاتك فلم تكتبها ، وأجمل أحاسيسك فلم تعشها ، وتطالبنا بالحلم !! مؤلم رحيلك .. وكأنك تزيد من مرارة الحياة منتقصاً من متعها الصغيرة ما تسطره يداك ، وتطالبنا بالجلد !! كانت اقامتك قصيرة ولكنها كانت ممتعة .. ولكن كل شيء ينتهي ، وداعا احمد خالد توفيق)). فى الساعات القليلة التى أعقبت إعلان وفاته إلى حين موعد الجنازة تحول أهل طنطا إلى مرشدين عبر صفحات التواصل الاجتماعى لإرشاد ومساعدة القراء الراغبين فى وداع العراب إلى مثواه الأخير ، وأخذوا على عاتقهم مهمة وصف الطريق وكيفية الوصول لمن هم خارج طنطا ، وتبرع بعضهم لاستقبال محبى أحمد خالد توفيق ، لم تكن جنازة وانما مظاهرة حب حزينة ، كتب العراب فى يوم ما متخيلا جنازته (ستكون مشاهد جنازتى جميلة ومؤثرة ، ولكنى لن أراها للأسف برغم أننى سأحضرها بالتأكيد) ، وهذا ما حدث أيها العراب ، لم يحضر المشاهير ورموز عالم الثقافة والاعلام من أدباء وصحفيين وكتاب وفنانين ..الخ لكن جاءك الآلاف من محبيك الحقيقيين ، جاءك من وهبت حياتك من أجلهم ، لم تكن تهتم بالدعاية والشهرة وإنما جاءتك الشهرة رغما عنك ، تواضعك وأدبك الجم اللذان تسببا فى رفضك لقب العراب - مبررا ذلك بأنك تخشى ألا تكون جديرا بهذه الهالة التى يحيطك بها القراء - لم يمنعا جمهورك من منحك اللقب الذى التصق بك دون ارادتك. إن التجاهل الاعلامى لموهبتك وأعمالك وشخصك لم يكن له أدنى تأثير على جمهورك ، بل على العكس لقد أجبرنا – نحن القراء – الاعلام على الاهتمام بك والبحث فى مسيرتك والسعى لمعرفة ما قدمته لتحظى بكل هذا الحب والجماهيرية والشهرة ، لقد اضطر الاعلاميون لذلك بسبب سرادق العزاء الضخم الذى أقمناه لك على السوشيال ميديا والذى جعلك Trend1 يوم وفاتك !! لقد كنت تستحق هذا أثناء حياتك لكنك ترفعت عنه وتعجلت الرحيل !! ومن المضحك المبكى أن تنم محاولات البعض لرثائك عن جهلهم الواضح بك ، لقد أجبر جمهورك - دون قصد - البعض على ادعاء انه من قرائك للتباهى أمام الآخرين - فهل مر ذلك على خاطرك يوما ؟! - لكن كلماتهم الفقيرة كشفت تلك المحاولات البائسة ((الأديب الروائى رائد أدب الرعب والخيال العلمى ، مؤلفات ومقالات اشهرها السنجة يوتوبيا مثل ايكاروس)) ، هل يمكن أن تكون هذه الكلمات هى وصف العراب من أحد متابعيه الذين يعرف أحدهم الأخر عبر صفحات التواصل الاجتماعي من مجرد تعليق مكتوب بسبب الطابع المميز لعالم قراء العراب ؟! لو رأى لوسيفر ذلك لقال (عليكم قلبى يشفق ، انى - والحق يقال- حزين). فى مقابل هؤلاء المدعين ظهر آخرون يعترفون أنهم لا يعرفونك ، كالاعلامى عمرو أديب ((انا معرفوش ، فيه ناس كتير جدا تحب انها تدعى وازاى ما تعرفش احمد خالد توفيق ، لكن بصراحة أنا معرفوش ، ومش من قرائه ، وده مش عيب .. لكن أنا انبهرت ، كان رجل جامد جدا واحنا مش حاسين به)) ، وطالب علماء النفس والاجتماع بدراسة هذه الظاهرة التى حدثت وكيف أثر روائى على كل هذا الكم من الناس ؟! لقد كانت جنازتك مهيبة ايها العراب ، وصفها الاعلامى يوسف الحسينى انها جنازة من الجنازات التاريخية لكثرة الحضور بها. رغم ندرة ظهورك بوسائل الإعلام -كنت تطل على جمهورك تليفزيونيا مرة كل عام تقريبا (90 دقيقة -المحور2009 ، حالة ابداع -الجزيرة2010 ، مع بلال فضل2011 ، هنا القاهرة -القاهرة والناس2012 ، ممكن cbc 2014 ، انت حر two cbc 2015 ، وصفولى االصبر ten 2018) - إلا أنك أصبحت خلال يومين ظاهرة اعلامية ، ويكاد لا يخلو برنامج من تقرير اخبارى عنك. لقد قام قراؤك بكل ما استطاعوا لتكريمك فى آخر لحظاتك فوق الأرض - وجعلوا الاعلام يلهث بحثا عن كل ما يتعلق بك - بل اعتبروا أمنيتك التى كتبتها (هناك عبارة يقولها ر. ل. شتاين : أريد أن أكتب على قبرى جعل الأطفال يقرأون ، أما أنا فأريد أن يكتب على قبرى جعل الشباب يقرأون) وصية واجبة النفاذ ، وقام أحدهم بكتابة نفس العبارة وتعليقها على بوابة المقبرة. حينما تحدد موعد جنازة العراب تذكر محبوه جملة (كان من الوارد جدًا أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 إبريل بعد صلاة الظهر) التى وردت بمقاله (أماركورد) المنشور بكتاب قهوة باليورانيوم فى 2012 ، وكان المقال يروى تجربة مروره بوعكة صحية عام 2011 أدت إلى تركيب جهاز بالقلب يسمى ICD ومهمته أن يراقب النبض فإذا شعر باضطراب أو ارتجاف بطيني أطلق الصدمة الكهربية التي تعيده للحياة ، وكتب به (إذن كان هذا هو الموت ، بدا لي بسيطا ومختصرا وسريعا ، بهذه البساطة أنت هنا ، أنت لم تعد ، أنني لم أر أي شيء من تجربة الدنو من الموت التي كتبت عنها مرارا وتكرارا ، تذكرت مقولة ساخرة قديمة هي أن عزاءك الوحيد إذا مت بعد الخامسة والأربعين هو أنك لم تمت شابا ... بالنسبة لي مت مرتين في يوم واحد، ولم يكن الأمر صعبًا جدًا ، فجأة انقطع الفيلم في لحظة بعينها ثم عاد بعد حذف عشر دقائق ... جميل جدًا ألا تعرف أنك تموت ولا تتوقع ذلك ، فجأة أنت هناك مع السر الأزلي، وتدخل عالم القبر والكفن ... الموت يأتي بسرعة فائقة فلا تراه قادمًا ، ومن ماتوا لم يجدوا فرصة ليخبروا الآخرين بهذا ، أنا من القلائل الذين عادوا ويمكنهم أن يؤكدوا لك ذلك). وبالرغم من خوفه (أنا يا رفاق أخشى الموت كثيراً ، ولست من هؤلاء المدّعين الذين يرددون في فخر طفولي نحن لا نهاب الموت ، كيف لا أهاب الموت وأنا غير مستعد لمواجهة خالقي) إلا أنه كان يشعر بقرب النهاية ، ولقد ذكر فى أحد حواراته القليلة المصورة (جربت الموت ورجعت ، توقف قلبي 4 مرات ، ومن ساعتها من 2011 وانا عايش الشعور الذي كان وصفه نجيب محفوظ : إن القطر وصل سيدي جابر ، وبعد شوية .. خطوتين ويوصل اسكندرية ، وخلاص بقى الناس بتلبس البالطو ، اللي بيقرأ جورنال بيطبقه ، أنا في سيدي جابر دلوقتي ، إمتى بقى اسكندرية ؟ قربنا أوي .. أوي يعني) لقد شعر الجميع أن ما حدث سابقا قد تكرر مرة أخرى ، الفارق الوحيد أن الموت قد انتصر !! ومن الجدير بالذكر أن هناك رواية قد أنهى العراب كتابتها وفى طريقها للنشر ، وتحمل اسم (أفراح المقبرة) !! ترى ماذا كنت تشعر وأنت تكتبها وتختار لها هذا الاسم ايها العراب ؟! لقد كانت احدى عباراتك الشهيرة (ما أهون الموت حينما يكون خبرا فى مجلة) ، لكن دعنى أخبرك أن موتك لم يكن هينا أبدا .. فليصبرنا الله. أحملك السلام لرفعت اسماعيل وعلاء عبد العظيم وعبير وكل من كان معهم وماتوا برحيلك. أدعو الله أن يرحم أحمد خالد توفيق ويغفر له ويجعل كل حرف كتبه فى ميزان حسناته.