كانت اللغة الهيروغليفية هي البداية، لتعليم المصري القديم الكتابة والحساب ومن ثم توسع الاهتمام بالتعليم لخلق جيل بعد جيل من الكتبة لإدارات الدولة سواء في الشئون المالية والزراعية والإدارية، كذلك بدأ الاهتمام بالتعليم لتسجيل كل معرفة وعلم سواء ديني أو عقائدي أو دنيوي للاستفادة من هذه المعرفة. وقد اهتم كل ذي صنعه وعلم أو معرفة بتوريث هذا العلم إلى أبناؤه وأحفاده ليتوارثوا هذا العلم ليحافظوا على مسيرته.
وكما اهتم الملوك والأمراء والنبلاء وقادة الجيوش بتعليم أبناؤهم، اهتم أيضا العديد من أفراد عامة الشعب بالتعليم، حيث تكون هناك فرصة لتبوء مكانة عالية في المجتمع المصري، والتخلص من واقعه، وإيجاد مكان له بين علية القوم.
وقد أقتصر التعليم في البداية على تعليم الصغار في القصور الملكية وبيوت النبلاء وبعض مكاتب الإدارات لأعداد صغيرة من الأولاد المثقفين، وكان التعليم يقتصر على معرفة مبادئ اللغة والحساب والمعلومات العامة. ثم بدء في إعداد أماكن خاصة لتعليم الصبيان والبنات تلحق بالمعابد كفصول دراسية، وفى نفس الوقت تم الاهتمام بدراسة المعلومات العامة والجغرافية والتاريخ إلى جانب تعلم اللغة والحساب.
أما عن فقراء المصريين والقاطنين بعيداً عن المدن الكبيرة فكان التعليم على نطاق ضيق في الأماكن المفتوحة .. في الحقول.. تحت الشجرن أو في بعض الحجرات البسيطة التي تشبه "الكتاب" في القرى.
ومع أواخر الدولة القديمة، وخلال الدولة الوسطى عرفت في مصر بداية ظهور المدارس أو بيت الحياة " برعنخ" ودراسة مناهج دراسية محددة يختار الدارسين فيها نوع التعليم، حيث ظهر بعض المدارس المتخصصة في العلوم المختلفة كالهندسة والطب والتحنيط إلى جانب التعليم العام.. فنجد أن المدارس الملحقة بالمعابد تصطبغ الدراسة فيها بالشئون الدينية والعقائدية، أما المدارس الملحقة بالإدارات الخاصة بالدولة تكون الدراسة معظمها لغة وحساب وتعليم الشئون التجارية والإدارية، أما المدارس التي تكون ملحقة بالجيش فمعظم المناهج إلى جانب التعليم العام علوم عسكرية يتخللها التدريبات العسكرية التطبيقية وتعليم فنون القتال واستعمال الأسلحة وغيرها من العلوم العسكرية.
أما التعليم العام فكان يشمل مناهج عامة لدراسة اللغة المصرية وآدابها وعلومها من خط وهجاء وقواعد وآداب. كذلك الرياضيات بكل فروعها من حساب وهندسة والجبر. المعلومات العامة ومنها التاريخ والجغرافية ومبادئ الظواهر الكونية والبيئية والزراعية. وفى كل من هذه المدارس مكتبات دون فيها العديد من فروع المعروفة كل حسب اختصاصه على أوراق البردي لتكون كتب ومراجع للدارسين، يطلع عليها من يحتاجها يطلق عليها " بر ن سشو " أي بيت المخطوطات أو دار الكتب يقوم على إدارتها العديد من الإداريين والأمناء وجملة الأختام وكانت الربة الحامية لهذه المكتبات الآلهة "سشات".
وقد عرف المدرس أو المعلم في دور العلم بألقاب كثيرة كان من أكثرها شهرة لقب " سباو" أي النجم أو الهادي أو المرشد أو المعلم، في حين أن التلميذ أو الطالب للعلم لقب بألقاب منها " نزز " أو " غرد". وكان التلاميذ يستخدمون ألواح الأرتواز والخشبية والكتابة عليها بالبوص أو الأحجار (طباشير)، أو على أوراق البردي، ويقوم المعلم بتصحيح الأخطاء ليتعلمها التلميذ بالمداد الأحمر، ويقوم بإعادة كتابة الأخطاء ليتعلمها التلميذ الذي غالباً ما يكتب بالمداد الأسود.
وإلى جانب المدارس والأماكن التعليمية البسيطة والمدارس المتخصصة الملحقة بالمعابد أو الإدارات الحكومية أو إدارات الجيش كان هناك مراكز ثقافية تعليمية كبيرة في المدن الكبيرة، وخاصة عواصم مصر التي لعبت دوراً كبيراً في حياة المصريين سواء السياسية مثل منف والأقصر أو الدينية مثل عين شمس وإيبدوس . وكان لكل مركز من هذه المراكز طابعه ومنهجه الخاص سواء من الناحية العقائدية، حيث لها فلسفة معينة تشتهر بها إلى جانب العلوم الأخرى، وكان يقصد هذه المراكز الدراسية من كل إنحاء مصر لتلقى العلوم والتعليم على أيدي علماء ذاع صيتهم خارج حدود مصر، فنجد في العصر المتأخر علماء من أوروبا ومؤرخون وفلاسفة يأتون إلى مصر لتلقى العلوم على يدي هؤلاء الأساتذة وينهلون من فضل الحضارة المصرية المعرفة والعلوم والفنون والفلسفة والطب وينقلونها إلى أوروبا التي كانت تعيش في ظلام الجهل. وهو ما يذكره التاريخ من فضل للحضارة المصرية على دول العالم في كافة أنحاء العالم القديم والحديث ، حيث يعود الفضل للمصريين إلى معرفة التقويم وعلوم الفلك والطب والهندسة الخ وبدا كل عالم أوربي يفتخر ويتباهى بأنه درس في مصر وعلى أيدى علمائها.