فى أجواء معرض الكتاب أتذكر تلك الاسماء التى تحتل مكانا مميزا فى قلوب أجيال متتالية نشأت على حب القراءة ، ترعرعت على التهام الكتب ، تكونت ثقافتها الأولى من آلاف الصفحات ، ازدهرت لغتها بين أغلفة المؤلفات ، ونضجت عقولها بخبرات وتجارب نقلتها إليهم كلمات مكتوبة . كنت ومازلت أفتخر وأصحابى إننا قد عشنا فى زمن الكتاب المطبوع ، استمتعنا بملمس الورق المصقول ، رائحة حبر الطباعة ، وصوت تغيير الصفحة ، انها أشياء لا يشعر بمتعتها إلا من اعتاد القراءة فى كتاب حقيقى وليس pdf . مازلت أذكر بداية هوايتى التى تحولت إلى إدمان فيما بعد ، كنت فى سن ما قبل المدرسة حين أدركت قيمة الكتاب قبل أن أتعلم الحروف ، تعلمت أنه مسموحا لى بدخول غرفة المكتب (التى تغطى جدرانها مكتبة شاملة دينية تاريخية فلسفية اجتماعية أدبية أطفال .. الخ حسب اهتمامات وميول كل فرد فى الأسرة ) ، واختيار الكتاب الذى يجذبنى شكله والتظاهر بالقراءة - رغم جهلى التام - لكن ممنوع تماما العبث به أو إتلافه ، وكنت مسئولة عن تنظيم الجزء الخاص بى . ومع بداية مشوارى التعليمى ، نمت هوايتى ، أتذكر تشجيع أبى وذهابى مع أمى - الحريصة على تنمية حب الكتاب كحبنا للعب - إلى دار المعارف ومنشأة المعارف (الكائنتين حتى الآن بمحطة الرمل - الاسكندرية) لاختيار القصص المصورة (سلسلة المكتبة الخضراء) واصدارات ميكى وغيرها من كتب الاطفال . ولم يكتفى شقيقى الأكبر بذلك ، بل علمنى الادخار لشراء المزيد ، وكلما ادخرت مبلغا يضاعفه لى ، لا أنسى أبدا أول قصة اشتريتها بنفسى (الحصان الفضى– الشياطين ال13 ) ، وأقبلت على القراءة بنهم ، وشاركنى أخى الأصغر وكذلك الأصحاب ، كنا فى شبه تنافس ، كل منا يباهى الآخرين بمكتبته ومحتوياتها ، وبدأنا فى تبادل الكتب بشرط الحفاظ عليها وإعادتها بعد الانتهاء منها . كنا جيل يقرأ فى كل وقت ومكان ممكن ، (مازالت أمى الحبيبة تعترض على عادتى فى تناول الطعام والقراءة فى نفس الوقت بحجة إننى لا أتذوق ما آكله) . وكعادة الصغار بدأت بمجلات ميكى وماجد ثم ألغاز (أ/ محمود سالم) الشياطين ال13 والمغامرين الثلاثة والمغامرين الخمسة ، ((دائما أداعب صديقة عمرى بذكريات تأثرنا بهم لدرجة تخصيص مكان فى بيتها كمقر سرى لاجتماعاتنا ، وتفكيرنا الساذج لتجهيز أدوات تنكر كالتى يملكها تختخ ، وكتابة رسائل بالليمون بدلا من الحبر السرى ، والتفكير فى ارسال خطاب تهديد لصاحب محل بسبب رفضه أن يبيع لنا صندوقا كرتونيا نحتاجه لحفظ الأدلة التى سنجمعها أثناء تحقيقاتنا فى الجرائم المختلفة )). هل ضحكت عزيزى القارئ بسبب تلك الذكريات ؟ لديك كل الحق ، لقد كان تأثير نوسة ولوزة وتختخ وعاطف ومحب كبيرا جدا !! وبدأت مرحلة روايات عبير ، ثم حدث التحول الكبير بمتابعة روايات مصرية للجيب (اصدارات المؤسسة العربية الحديثة) تأليف د/ نبيل فاروق وأشهرها رجل المستحيل ، زهور ، وملف المستقبل، وجاء بعده د/أحمد خالد توفيق بما وراء الطبيعة وبطلها الكهل د/رفعت اسماعيل ، وسافارى د/علاء عبد العظيم ، وفانتازيا الحالمة عبير . تلك المؤلفات التى جذبت اهتمام ملايين الشباب ، وأنقذتهم من الفراغ القاتل ، فى زمن لم يعرف الأنترنت . واتجه من أراد المزيد لمؤلفات كبار الأدباء مثل احسان عبد القدوس ، السباعى ، محفوظ ، ادريس ، الحكيم ، أنيس منصور وغيرهم . وكان للقراءة دورا وتأثيرا واضحا على نشأة الجيل ظهر فى إتقان اللغة العربية والتمكن من مفرداتها ، والتعبير عن الأفكار بدقة وبكلمات صحيحة وأسلوب منظم ، غرس حب الوطن والانتماء له بشكل عفوى دون شعارات رنانة ، تنمية الإدراك ، اكتساب معلومات فى شتى المجالات ، القدرة على فهم ما وراء الأحداث وتحليل المواقف والربط بينها واستنباط النتائج ، وتعميق الاحساس الفطرى بالتعاليم السمحة للأديان ونبذ التعصب .. الخ أين الجيل الحالى من كل هذا ؟!