منذ أن أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، والمزمع إجراؤها فى نهاية شهر مارس القادم، دبدت الحركة من جديد فى أوصال الحياة السياسية، وكثر الحديث عن المرشحين وأسمائهم بل مفاجآتهم فى بعض الأحيان. فمنذ أن تم اقرار الدستور الجديد والذى تم بمقتضاه تدشين فكرة الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية، وهو الحدث الذى طالما افتقدناه على مدى سنوات طويلة عجزنا فيها عن تداول السلطة بشكل سلمى وقانونى أيضًا، ومنذ ذلك التاريخ يمكن القول إننا دخلنا إلى مصاف الدول التى تحترم حقوق مواطنيها فى انتخاب من يمثلهم بداية من المجالس المحلية وانتهاء بمنصب رئيس الجمهورية. تجربتنا مع الانتخابات الرئاسية هى تجربة وليدة، بدأناها أول مرة، وكانت بحق تجربة ثرية فى حياة كلا منا، أتذكر فرحتنا فى الاصطفاف لطوابير امتدت إلى مئات الأمتار أمام اللجان الانتخابية، ووقتها وصفناها فى التغطيات الصحفية بطوابير الحرية وطوابير الأمل، كانت المشاهد التى حدثت أثناء هذا الحدث الأبرز فى تاريخ الحياة السياسية فى مصر، جديرة بأن تؤرخ لحياة جديدة سيعيشها المصريون فى قادم أيامهم. الحالة العامة التى عشناها خلال تلك الأيام كانت حالة من الفرح الممزوجة بالتفاؤل، فلأول مرة فى تاريخ الحياة السياسية، يقتنع المواطن المصرى، بالنزول إلى مقار اللجان الانتخابية، وشاهدنا الشيوخ وكبار السن من الأمهات والآباء يجبرون أبناءهم على اصطحابهم للإدلاء بأصواتهم، بالرغم من معاناتهم البدنية والصحية بحكم السن والمرض. تابعت الانتخابات الرئاسية عن قرب وتجولت بين المقرات المختلفة سواء لبعض مرشحى الرئاسة، أو اللجان الانتخابية فى مناطق متنوعة على مستوى العاصمة، والحق أقول إن هذه التجربة منحتنى كثيرًا من الأمل فى قدرة هذا الشعب على العطاء، إذا آمن بالفكرة وأقتنع بجدوى ما يفعل. عشنا الأمل بعد إحباط دام لأكثر من ثلاثين عامًا، كنا نطمح خلالها للتغيير، ولكننا لم نكن نمتلك أدواته، وفى اللحظة المناسبة، كان الرد العملى على حالة الرفض التى تبلورت فى ثورة على نظام استبد وطغى وتيبس فى مقاعده، مستهينا بحقوق مواطنين طالما صبروا على أزماتهم ومشكلاتهم. الآن وقد وصلنا لمحطة جديدة، ينتظر فيها أن تجرى الانتخابات الرئاسية على منصب رئيس الجمهورية للسنوات الأربع القادمة، يحدونا الأمل فى أن نحافظ على رونق تجربة الانتخابات الرئاسية، وألا نعطى أيًا من كان الفرصة لاستغلال الوضع لتحقيق مكاسب شخصية وفقط، وألا ننساق وراء تلك الأبواق التى تضر أكثر مما تفيد، وتلوث المشهد بأدائها الهزلى. الفرصة الآن أمامنا لنذهل العالم من جديد، بتجربة ديمقراطية جادة، وحق من حقوقنا كفله لنا الدستور.. فعقارب الساعة لن تعود للخلف.. وأبواب المستقبل مفتوحة على مصراعيها أمام وطن يستمد قوته من شعب محب للحياة.